الثلاثاء، 27 نوفمبر 2018

أيهما أعلى وأفضل وأفرج للكرب وأثقل في ميزان الله عز وجل ، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، أم استغفر الله وسيد الاستغفار ؟




نتيجة بحث الصور عن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
السؤال

أيهما أعلى وأفضل وأفرج للكرب وأثقل في ميزان الله عز وجل ، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، أم استغفر الله وسيد الاستغفار ؟

نص الجواب


الحمد لله
أولا :
المشروع في الأذكار أن يجمع الذاكر بينها .
وانظر جواب السؤال رقم : (194733) .
فما ورد في نصوص الشرع من دعاء للكرب يلهج به المكروب ، وما ورد فيها من استغفار يلهج به المستغفر ، وهكذا ، ودعاء ذي النون عليه السلام يقال عند الكرب . 
قال الله عز وجل : ( وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ) الأنبياء/ 87 ، 88.
وروى الحاكم (1864) عن سعد رضي الله عنه قَالَ : " كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : ( أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشَيْءٍ إِذَا نَزَلَ بِرَجُلٍ مِنْكُمْ كَرِبٌ ، أَوْ بَلَاءٌ مِنْ بَلَايَا الدُّنْيَا دَعَا بِهِ يُفَرَّجُ عَنْهُ ؟ ) فَقِيلَ لَهُ : بَلَى ، فَقَالَ: ( دُعَاءُ ذِي النُّونِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) وصححه الألباني في " الصحيحة " (1744) .
ورواه الترمذي (3505) ولفظه : ( دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ : لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ ) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " . 
وأفضل صيغة للاستغفار لمن أراد أن يستغفر ما سماه الرسول صلى الله عليه وسلم بـ" سيد الاستغفار" . 
روى البخاري (6306) عن شَدَّاد بْن أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ : اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ ) ، قَالَ : ( وَمَنْ قَالَهَا مِنْ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَمَنْ قَالَهَا مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ) .
فكل دعاء من هذين الدعاءين هو أفضل في الوقت والحال المناسب له ، فمن وقع في شدة وكرب فدعاء ذي النون أفضل له ، ومن أراد أن يسأل الله المغفرة فسيد الاستغفار أفضل له .
ثانيا : 
ينبغي التنبيه إلى أن المفضول قد يكون هو الأفضل في حق بعض الأشخاص ، كما لو كان يتفهم معناه أكثر ويحضر قلبه ويخشع عند هذا الدعاء ، فيكون هذا الدعاء هو الأفضل لهذا الشخص ، ولكنه ليس هو الأفضل لجميع الأشخاص في جميع الأحوال .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" قَدْ يَكُونُ الْمَفْضُولُ فِي وَقْتٍ أَفْضَلَ مِنْ الْفَاضِلِ ؛ وَقَدْ يَكُونُ الْمَفْضُولُ فِي حَقِّ مَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَيَنْتَفِعُ بِهِ أَفْضَلَ مِنْ الْفَاضِلِ فِي حَقِّ مَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ " .
انتهى من " مجموع الفتاوى " (11 /399) .

وسئل رحمه الله عَنْ رَجُلٍ أَرَادَ تَحْصِيلَ الثَّوَابِ : هَلْ الْأَفْضَلُ لَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ ؟ أَوْ الذِّكْرُ وَالتَّسْبِيحُ ؟ .
فأجاب :
" قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ أَفْضَلُ مِنْ الذِّكْرِ وَالذِّكْرُ أَفْضَلُ مِنْ الدُّعَاءِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ ؛ لَكِنْ قَدْ يَكُونُ الْمَفْضُولُ أَفْضَلَ مِنْ الْفَاضِلِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ ، كَمَا أَنَّ الصَّلَاةَ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ ، وَمَعَ هَذَا فَالْقِرَاءَةُ وَالذِّكْرُ وَالدُّعَاءُ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ كَالْأَوْقَاتِ الْخَمْسَةِ وَوَقْتِ الْخُطْبَةِ هِيَ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ ، وَالتَّسْبِيحِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودُ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَاءَةِ ، وَالتَّشَهُّدُ الْأَخِيرُ أَفْضَلُ مِنْ الذِّكْرِ ، وَقَدْ يَكُونُ بَعْضُ النَّاسِ انْتِفَاعُهُ بِالْمَفْضُولِ أَكْثَرَ بِحَسَبِ حَالِهِ إمَّا لِاجْتِمَاعِ قَلْبِهِ عَلَيْهِ وَانْشِرَاحِ صَدْرِهِ لَهُ وَوُجُودِ قُوَّتِهِ لَهُ ، مِثْلُ مَنْ يَجِدُ ذَلِكَ فِي الذِّكْرِ أَحْيَانًا دُونَ الْقِرَاءَةِ فَيَكُونُ الْعَمَلُ الَّذِي أَتَى بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْكَامِلِ أَفْضَلَ فِي حَقِّهِ مِنْ الْعَمَلِ الَّذِي يَأْتِي بِهِ عَلَى الْوَجْهِ النَّاقِصِ ، وَإِنْ كَانَ جِنْسُ هَذَا أَفْضَلَ ، وَقَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ عَاجِزًا عَنْ الْأَفْضَلِ فَيَكُونُ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فِي حَقِّهِ أَفْضَلَ لَهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ " انتهى من " مجموع الفتاوى " (23 /62-63) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" الأعمال لها مراتب بعضها أفضل من بعض ، ولكن قد يعرض للمفضول ما يجعله أفضل من الفاضل " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (12 /22) بترقيم الشاملة .
والله تعالى أعلم .
الأربعاء، 21 نوفمبر 2018

الصدقة.. فضائلها وأنواعها


نتيجة بحث الصور عن الصدقة





الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد: قال الله تعالى آمرًا نبيه صلى الله عليه وسلم: {قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ} [سورة إبراهيم: 31]. ويقول جل وعلا: {وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ...} [سورة البقرة: 195]. وقال سبحانه: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم} [سورة البقرة: 254]. وقال سبحانه: {أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} [سورة البقرة: 267]. وقال سبحانه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [سورة التغابن: 16]. ومن الأحاديث الدالة على فضل الصدقة قوله صلى الله عليه وسلم: «ما منكم من أحدٍ إلا سيكلمه الله، ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، فينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، فينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة» [في الصحيحين]. والمتأمل للنصوص التي جاءت آمرة بالصدقة مرغبة فيها يدرك ما للصدقة من الفضل الذي قد لا يصل إلى مثله غيرها من الأعمال، حتى قال عمر رضي الله عنه: "ذكر لي أن الأعمال تباهي، فتقول الصدقة: أنا أفضلكم" [صحيح الترغيب]. فضائل وفوائد الصدقة: أولًا: أنّها تطفىء غضب الله سبحانه وتعالى كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «إن صدقة السر تطفىء غضب الرب تبارك وتعالى» [صحيح الترغيب]. ثانيًا: أنّها تمحو الخطيئة، وتذهب نارها كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «والصدقة تطفىء الخطيئة كما تطفىء الماء النار» [صحيح الترغيب]. ثالثًا: أنّها وقاية من النار كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «فاتقوا النّار، ولو بشق تمرة». رابعًا: أنّ المتصدق في ظل صدقته يوم القيامة كما في حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كل امرىء في ظل صدقته، حتى يقضى بين الناس». قال يزيد: "فكان أبو مرثد لا يخطئه يوم إلا تصدق فيه بشيء ولو كعكة أو بصلة"، قد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: «رجل تصدق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه» [في الصحيحين]. خامسًا: أنّ في الصدقة دواء للأمراض البدنية كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «داووا مرضاكم بالصدقة». يقول ابن شقيق: "سمعت ابن المبارك وسأله رجل: عن قرحةٍ خرجت في ركبته منذ سبع سنين، وقد عالجها بأنواع العلاج، وسأل الأطباء فلم ينتفع به، فقال: اذهب فأحفر بئرًا في مكان حاجة إلى الماء، فإني أرجو أن ينبع هناك عين ويمسك عنك الدم، ففعل الرجل فبرأ". [صحيح الترغيب]. سادسًا: إنّ فيها دواء للأمراض القلبية كما في قوله صلى الله عليه وسلم لمن شكى إليه قسوة قلبه: «إذا إردت تليين قلبك فأطعم المسكين، وامسح على رأس اليتيم» [رواه أحمد]. سابعًا: أنّ الله يدفع بالصدقة أنواعًا من البلاء كما في وصية يحيى عليه السلام لبني إسرائيل: "وآمركم بالصدقة، فإن مثل ذلك رجل أسره العدو فأوثقوا يده إلى عنقه، وقدموه ليضربوا عنقه فقال: أنا أفتدي منكم بالقليل والكثير، ففدى نفسه منهم". [صحيح الجامع] فالصدقة لها تأثير عجيب في دفع أنواع البلاء ولو كانت من فاجرٍ أو ظالمٍ بل من كافر فإنّ الله تعالى يدفع بها أنواعًا من البلاء، وهذا أمر معلوم عند النّاس خاصتهم وعامتهم وأهل الأرض مقرون به لأنّهم قد جربوه. ثامنًا: أنّ العبد إنّما يصل حقيقة البر بالصدقة كما جاء في قوله تعالى: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} [سورة آل عمران: 92]. تاسعًا: أنّ المنفق يدعو له الملك كل يوم بخلاف الممسك وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا» [في الصحيحين]. عاشرًا: أنّ صاحب الصدقة يبارك له في ماله كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله: «ما نقصت صدقة من مال» [في صحيح مسلم]. الحادي عشر: أنّه لا يبقى لصاحب المال من ماله إلاّ ما تصدق به كما في قوله تعالى: {وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ} [سورة البقرة: 272]. ولما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها عن الشاة التي ذبحوها ما بقى منها: قالت: ما بقى منها إلاّ كتفها. قال: «بقي كلها غير كتفها» [في صحيح مسلم]. الثاني عشر: أن الله يضاعف للمتصدق أجره كما في قوله عز وجل: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ} [سورة الحديد: 18]. وقوله سبحانه: {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [سورة البقرة: 245]. الثالث عشر: أنّ صاحبها يدعى من باب خاص من أبواب الجنة يقال له باب الصدقة كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أنفق زوجين في سبيل الله، نودي في الجنة يا عبد الله، هذا خير: فمن كان من أهل الصلاة دُعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دُعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دُعي من باب الريان». قال أبو بكر: يا رسول الله، ما على من دُعي من تلك الأبواب من ضرورة فهل يُدعى أحد من تلك الأبواب كلها: قال: «نعم وأرجو أن تكون منهم» [في الصحيحين]. الرابع عشر: أنّها متى ما اجتمعت مع الصيام واتباع الجنازة وعيادة المريض في يوم واحد إلاّ أوجب ذلك لصاحبه الجنة كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أصبح منكم اليوم صائما؟» قال أبو بكر: أنا. قال: «فمن تبع منكم اليوم جنازة؟». قال أبو بكر: أنا. قال: «فمن عاد منكم اليوم مريضا؟». قال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما اجتمعت في امرىء إلاّ دخل الجنة» [رواه مسلم]. الخامس عشر: أنّ فيها انشراح الصدر، وراحة القلب وطمأنينته، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد من ثدييهما إلى تراقيهما فأما المنفق فلا ينفق إلا اتسعت أو فرت على جلده حتى يخفى أثره، وأما البخيل فلا يريد أن ينفق شيئا إلا لزقت كل حلقة مكانها فهو يوسعها ولا تتسع. [في الصحيحين] "فالمتصدق كلما تصدق بصدقة انشرح لها قلبه، وانفسح بها صدره، فهو بمنزلة اتساع تلك الجبة عليه، فكلمَّا تصدَّق اتسع وانفسح وانشرح، وقوي فرحه، وعظم سروره، ولو لم يكن في الصَّدقة إلاّ هذه الفائدة وحدها لكان العبدُ حقيقيا بالاستكثار منها والمبادرة إليها وقد قال تعالى: {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ} [سورة الحشر: 9]. السادس عشر: أنَّ المنفق إذا كان من العلماء فهو بأفضل المنازل عند الله كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «إنَّما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالًا وعلمًا فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقًا فهذا بأفضل المنازل..». السابع عشر: أنَّ النبَّي صلى الله عليه وسلم جعل الغنى مع الإنفاق بمنزلة القرآن مع القيام به، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: «لا حسد إلاّ في اثنين: رجلٌ آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل والنهار، ورجل آتاه الله مالًا فهو ينفقه آناء الليل والنهار»، فكيف إذا وفق الله عبده إلى الجمع بين ذلك كله؟ نسأل الله الكريم من فضله. الثامن عشر: أنَّ العبد موفٍ بالعهد الذي بينه وبين الله ومتممٌ للصفقة التي عقدها معه متى ما بذل نفسه وماله في سبيل الله يشير إلى ذلك قوله جل وعلا: {إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقتَلُونَ وَعداً عَلَيْهِ حَقّاً فِى التَّورَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالقُرءَانِ وَمَنْ أَوفَى بِعَهدِهِ مِنَ اللهِ فَاستَبشِرُواْ بِبَيعِكُمُ الَّذِى بَايَعتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظِيمُ} [سورة التوبة: 111]. التاسع عشر: أنَّ الصدقة دليلٌ على صدق العبد وإيمانه كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «والصدقة برهان» [رواه مسلم]. العشرون: أنَّ الصدقة مطهرة للمال، تخلصه من الدَّخن الذي يصيبه من جراء اللغو، والحلف، والكذب، والغفلة فقد كان النَّبي صلى الله عليه وسلم يوصي التَّجار بقوله: «يا معشر التجار، إنَّ هذا البيع يحضره اللغو والحلف فشوبوه بالصدقة» [رواه أحمد والنسائي وابن ماجة، صحيح الجامع]. أفضل الصدقات: الأول: الصدقة الخفية؛ لأنَّها أقرب إلى الإخلاص من المعلنة وفي ذلك يقول جل وعلا: {إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِىَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتؤْتُوهَا الفُقَرَاءِ فَهُوَ خَيرٌ لَّكُمْ} [سورة البقرة: 271]، "فأخبر أنَّ إعطاءها للفقير في خفية خيرٌ للمنفق من إظهلرها وإعلانها، وتأمَّل تقييده تعالى الإخفاء بإتيان الفقراء خاصة ولم يقل: وإن تخفوها فهو خيرٌ لكم، فإنَّ من الصدقة ما لا يمكن إخفاؤه كتجهيز جيشٍ، وبناء قنطرة، وإجراء نهر، أو غير ذلك، وأمَّا إيتاؤها الفقراء ففي إخفائها من الفوائد، والستر عليه، وعدم تخجيله بين النَّاس وإقامته مقام الفضيحة، وأن يرى النّاس أنّ يده هي اليد السفلى، وأنَّه لا شيء له، فيزهدون في معاملته ومعاوضته، وهذا قدرٌ زائدٌ من الإحسان إليه بمجرد الصدقة مع تضمنه الإخلاص، وعدم المراءاة، وطلبهم المحمدة من النّاس. وكان إخفاؤها للفقير خيرا من إظهارها بين النّاس، ومن هذا مدح النبي صدقة السَّر، وأثنى على فاعلها، وأخبر أنَّه أحد السبعة الذين هم في ظلِّ عرش الرحمن يوم القيامة، ولهذا جعله سبحانه خيرا للمنفق وأخبر أنَّه يكفر عنه بذلك الإنفاق من سيئاته". [طريق الهجرتين]. الثانية: الصدقةُ في حال الصحة والقوة أفضل من الوصية بعد الموت أو حال المرض والاحتضار كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصدقة أن تصدَّق وأنت صحيحٌ شحيحُ، تأمل الغنى وتخشى الفقر، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا ولفلان كذا، ألا وقد كان لفلان كذا» [في الصحيحين]. الثالثة: الصدقة التي تكون بعد أداء الواجب كما في قوله عز وجل: {وَيَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ العَفْوَ} [سورة البقرة: 219]، وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا صدقة إلاّ عن ظهر غنى... »، وفي رواية: «وخير الصدقة ظهر غنى» [كلا الروايتين في البخاري]. الرابعة: بذل الإنسان ما يستطيعه ويطيقه مع القلة والحاجة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصدقة جهد المُقل، وابدأ بمن تعول» [رواه أبو داود]، وقال صلى الله عليه وسلم: «سبق درهم مائة ألف درهم»، قالوا: وكيف؟! قال: «كان لرجل درهمان تصدق بأحدهما، وانطلق رجل إلى عرض ماله، فأخذ منه مائة ألف درهم فتصدق بها» [رواه النسائي، صحيح الجامع]، قال البغوي رحمه الله: "والإختيار للرجل أن يتصدق بالفضل من ماله، ويستبقي لنفسه قوتا لما يخاف عليه من فتنة الفقر، وربما يلحقه الندم على ما فعل، فيبطل به أجره، ويبقى كلاً على النّاس، ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على أبي بكر خروجه من ماله أجمع، لَّما علم من قوة يقينه وصحة توكله، فلم يخف عليه الفتنة، كما خافها على غيره، أمّا من تصدق وأهله محتاجون إليه أو عليه دين فليس له ذلك، وأداء الدين والإنفاق على الأهل أولى، إلا أن يكون معروفا بالصبر، فيؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة كفعل أبي بكر، وكذلك آثر الأنصار المهاجرين، فأثنى الله عليهم بقوله: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [سورة الحشر: 9] وهي الحاجة والفقر". [شرح السنة]. الخامسة: الإنفاق على الأولاد كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «الرجل إذا أنفق النفقة على أهله يحتسبها كانت له صدقة» [في الصحيحين، وقوله صلى الله عليه وسلم: «أربعة دنانير: دينار أعطيته مسكينا، ودينار أعطيته في رقبةٍ، ودينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته على أهلك، أفضلها الدينار الذي أنفقته على أهلك» [رواه مسلم]. السادسة: الصدقة على القريب، كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالا، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيِّبٍ. قال أنس: "فلما أنزلت هذه الآية: {لَن تَنَالُواْ البِر حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} [سورة آل عمران: 92]. قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنَّ الله يقول في كتابه {لن تَنَالُواْ البِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} إن أحب أموالي إلي بيرحاء، وإنّها صدقة لله أرجو برَّها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث شئت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بخ بخ مال رابح، وقد سمعت ما قلت فيها، إني أرى أن تجعلها في الأقربين». فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول، فقسَّمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه". [في الصحيحين]. وقال صلى الله عليه وسلم: «الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة» [رواه أحمد والنسائي والترمذي وابن ماجة]، وأخصُّ الأقارب ـ بعد من تلزمه نفقتهم ـ اثنان: الأول: اليتيم؛ لقوله جلَّ وعلا: {فَلا اقتَحَمَ العَقَبَةَ * وَمَا أدرَاكَ مَا العَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَو إِطعَامٌ فِى يَومٍ ذي مَسغَبَةٍ * يَتِيماً ذَا مَقرَبَةٍ * أَو مِسكِيناً ذَا مَتْرَبةَ} [سورة البلد:11-16]. والمسبغة: الجوع والشِّدة. الثاني: القريب الذي يضمر العداوة ويخفيها؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح» [رواه أحمد وأبو داود والترمذي صحيح الجامع]. السابعة: الصَّدقة على الجار؛ فقد أوصى به الله سبحانه وتعالى بقوله: {وَالْجَارِ ذِي القُرْبَى وَالْجَارِ الجُنُبِ} [سورة النساء: 36] وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم أبا ذر بقوله: «وإذا طبخت مرقة فأكثر ماءها، واغرف لجيرانك منها» [رواه مسلم]. الثامنة: الصدقة على الصاحب والصديق في سبيل الله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الدنانير: دينار ينفقه الرجل على عياله، ودينار ينفقه الرجل على دابته في سبيل الله، ودينار ينفقه الرجل على أصحابه في سبيل الله عز وجل» [رواه مسلم]. التاسعة: النفقة في الجهاد في سبيل الله سواء كان جهادا للكفار أو المنافقين، فإنّه من أعظم ما بُذلت فيه الأموال؛ فإن الله أمر بذلك في غير ما موضع من كتابه، وقدَّم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس في أكثر الآيات ومن ذلك قوله سبحانه: {انفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْبِأَموَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُمْ خَيرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [سورة التوبة:41]،
وقال سبحانه مبيناً صفات المؤمنين الكُمَّل الذين وصفهم بالصدق {إِنَّمَا المُؤمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَم يَرتَابُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [سورة الحجرات: 15]، وأثنى سبحانه وتعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم بذلك في قوله: {لَكِنَ الرَّسُولُ وَالذَّينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الخَيرَاتُ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ * أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوزُ العَظِيمُ} [سورة التوبة: 89،88]، ويقول عليه الصلاة والسلام: «أفضل الصدقات ظلُّ فسطاطٍ في سبيل الله عز وجل أو منحة خادم في سبيل الله، أو طروقة فحل في سبيل الله» [رواه أحمد والترمذي، صحيح الجامع]، وقال صلى الله عليه وسلم: «من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا» [في الصحيحين]، ولكن ليُعلم أنّ أفضل الصدقة في الجهاد في سبيل الله ما كان في وقت الحاجة والقلة في المسلمين كما هو في وقتنا هذا، أمَّا ما كان في وقت كفاية وانتصار للمسلمين فلا شك أن في ذلك خيرا ولكن لا يعدل الأجر في الحالة الأولى: {وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10) مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ} [سورة الحديد: 11،10]. "إنّ الذي ينفق ويقاتل والعقيدة مطاردة، والأنصار قلة، وليس في الأفق ظل منفعة، ولا سلطان، ولا رخاء غير الذي ينفق، ويقاتل، والعقيدة آمنة، والأنصار كثرةٌ والنصر والغلبة والفوز قريبة المنازل، ذلك متعلق مباشرةً لله متجردٌ تجردا كاملا لا شبهة فيه، عميق الثقة والطمأنينة بالله وحده، بعيدٌ عن كل سبب ظاهر، وكل واقع قريب لا يجد على الخير أعوانا إلاّ ما يستمده مباشرةً من عقيدته، وهذا له على الخير أنصارٌ حتى حين تصح نيته ويتجرد تجرد الأوليين". [في ظلال القرآن]. العاشرة: الصدقة الجارية: وهي ما يبقى بعد موت العبد، ويستمر أجره عليه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلاّ من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» [رواه مسلم]. وإليك بعضا من مجالات الصدقة الجارية التي جاء النص بها: مجالات الصدقة الجارية: 1- سقي الماء وحفر الآبار؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصدقة سقي الماء» [رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة:صحيح الجامع]. 2- إطعام الطعام؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما سُئل: أي الإسلام خير؟ قال: «تُطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف» [في الصحيحين]. 3- بناء المساجد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «من بنى مسجدا يبتغي به وجه الله، بنى الله له بيتا في الجنة» [في الصحيحين]، وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من حفر بئر ماء لم يشرب منه كبد حرى من جن ولا إنس ولا طائر إلا آجره الله يوم القيامة، ومن بنى مسجدا كمفحص قطاة أو أصغر بنى الله له بيتا في الجنة»  [صحيح الترغيب]. 4- الإنفاق على نشر العلم، وتوزيع المصاحف، وبناء البيوت لابن السبيل، ومن كان في حكمه كاليتيم والأرملة ونحوهما، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علما علمه ونشره، أو ولدا صالحا تركه، أو مصحفا ورثه، أو مسجدا بناه، أو بيتا لابن السبيل بناه، أو نهرا أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه بعد موته» [رواه ابن ماجة:صحيح الترغيب]. ولتعلم أخي أنّ الإنفاق في بعض الأوقات أفضل منه في غيرها كالإنفاق في رمضان، كما قال ابن عباس رضي الله عنه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود النّاس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان بلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة". [في الصحيحين]، وكذلك الصدقة في أيّام العشر من ذي الحجة، فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام» يعني أيّام العشر. قالوا: يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، ثم لم يرجع من ذلك شيء» [رواه البخاري]، وقد علمت أنّ الصدقة من أفضل الأعمال التي يُتقرب بها إلى الله. ومن الأوقات الفاضلة يوم أن يكون النّاس في شدة وحاجة ماسة وفقر بيّن كما في قوله سبحانه: {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} [سورة البلد: 11-14]. فمن نعمة الله عز وجل على العبد أن يكون ذا مال وجدة، ومن تمام نعمته عليه فيه أن يكون عونا له على طاعة الله «فنعم المال الصالح للمرء الصالح» [رواه البخاري]. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.





























الخميس، 15 نوفمبر 2018

أيتها الزوجة...ثمانون وصية فيها سعادتك..



أيتها الزوجة...ثمانون وصية فيها سعادتك..

بسم الله الرحمن الرحيم

* يا أيتها الزوجة...

الزوجان في مسابقة إلى الجنة، والأفضل منهما عند الله أشدهما حرصاً على إكرام الآخر وإسعاده.
أكثري من الدعاء لك ولزوجك وألحّي في الدعاء؛ إذ صلاح أمور الأسرة وسعادتها بيد الله.

* يا أيتها الزوجة...
 دونك صفات تَسعدين بها وتُسعدين بها من حولك:

الزوجة الموفَّقة:
1. توقن بأن سر سعادتها في دنياها و أخراها في ثلاثة أمور: تقواها لربها، وطاعتها لزوجها، وحرصها على إسعاده.
2. تعين زوجها على طاعة الله و تذكره بالمحافظة على الصلاة في وقتها والبعد عن الكسب الحرام.
3. شاكرة لزوجها.
4. صابرة معه، راضية بما قسم الله لها.
5. حريصة على زيادة ثقافتها وما يرقق قلبها بما يعينها على حسن تربيتها لأولادها ويقربها من جنة ربها.
6. تقصر بصره عليها، وتغض بصرها إذا خرجت من المنزل.
7. تحثه على صلة والديه ورحمه، وتكرمهم إذا زاروه، وتصبر على أذاهم قدر طاقتها احتساباً للثواب وإكراما لبعلها.
8. صادقة في كل أحوالها.
9. أنيقة في ملابسها في غرفة النوم وخارجها.
10. لطيفة في قولها وفعلها.
11. مستسلمة لزوجها في غرفة النوم وإذا طلبها لشأنه.
12. تهتم جداً لنظافة بدنها وفمها ولباسها.
13. مبتسمة دائماً مرحة خفيفة الظل.
14. تعلم أن مفتاح زوجها وقلبه كلمة لطيفة وابتسامة رقيقة تخرج من فيها إلى أذنه.
15. تحرص أن تكون في كل ليلة عروساً.
16. صريحة لزوجها فيما تحب وتكره.
17. توقن بأنه لا بد في الحياة الزوجية من التنازل أحياناً عن بعض ما تحب من أجل زوجها لأن الحبيب الصادق يحب ما يحب حبيبه.
18. توقن بأن الحياة الزوجية بذل وأخذ وليست أخذاً فقط.
19. تجتنب لوم زوجها إلا في أمر ذي بال أما اللوم الدائم وفي كل هفوة فمن أعظم أسباب ضيق الصدر والنفرة.
20. توقن بأنه لا يوجد زوج كامل إلا النبي صلى الله عليه وسلم.
21. تحافظ على أذكارها ووردها من القرآن وتجتنب السحر وطرقه.
22. تعلم أن زوجها مثلها يحب الثناء وإعلان الشكر ويسعد بالغزل.
23. تعلم أن قرب بدنها من بدن زوجها ووضعها ليدها على بدنه من أكبر أسباب دوام المحبة.
24. لا تنام قبله إلا لضرورة.
25. تحتسب الأجر في كل أفعالها في بيتها ولا تتسخط لما تجده من تعب في أعمال المنزل وتربية الأولاد.
26. تختار الوقت المناسب والطريقة المناسبة عند طلبها لأمر من الأمور.
27. لا ترفع صوتها عند الحوار معه أو أمامه.
28. تعترف بأن حق زوجها أعظم حق عليها بعد حق الله وحق رسوله صلى الله عليه وسلم.
29. تعترف بأن زوجها سيدها لقوله تعالى: (وألفيا سيدها لدى الباب).
30. إذا أخطأت تعترف بخطئها بدون حرج.
31. لا تطلب من زوجها ما لا يستطيع ولا تضطره لما فيه شبهة من أنواع التكسب.
32. إذا قدمت له شيئا يحبه لا تمن عليه به.
33. لا تدخل أحداً بيته إلا بإذنه.
34. لا تكثر من الحديث في الهاتف وهو في البيت.
35. تقدم أوامر زوجها على أوامر غيره حتى على والديها.
36. لا تضع ثيابها في غير بيت زوجها.
37. لا تنشر أسرار بيتها وزوجها ولو غضبت منه؛ فإن من طبيعة المرأة انها أكثر كلاماً من الرجل فربما أفشت أسرار بيتها وهي لا تشعر.
38. تعلم أن الأسرار بين الزوجين ليست هي المتعلقة بالجماع فحسب بل كل ما لا يحب الزوج أن يعلم به أحد فهو سر.
39. تبدأه بالملاعبة أحياناً ولا تتنظر منه البدء دائماً.
40. تتفنن في طرائق الملاعبة و ما يسعد زوجها في غرفة نومه.
41. تحذر من كفران العشير وإحسانِ زوجها وتجاهد نفسها ألا تصرح به.
42. تهتم لأمر التدبير في الإنفاق من ماله حتى يكفيهما.
43. تصبر على زوجها إن كرهت منه خلقا فإن له أخلاقا كثيرة طيبة ولا تذمه به أمام أهلها.
44. تهتم بمحابّه من الطعام والشراب.
45. تجتنب تذكير الزوج بأخطائه وقد اصطلحا يومها ولا تذكره إلا بالأمور الطيبة التي كانت بينهما.
46. تودعه إذا خرج من البيت بالكلام الجميل والفعل الجميل، وكذلك إذا رجع مظهرة له شوقها، وتسأل عنه وهو غائب.
47. إذا دخل البيت تركت كل أعمالها وأقبلت إليه وعليه ثم إن بقي عليها عمل استأذنت منه وأكملته.
48. تستمع له إذا أراد الكلام.
49. تجتنب تكرار خطأ نبهها عليه.
50. لا تمدح رجلاً أجنبياً أمامه.
51. تحترم رأي زوجها في بيتها وأمام الناس.
52. تحذر مما يضعف هيبة زوجها أمام أولاده أو أمام أهلها أو أهله.
53. توقن بأن تواضعها لزوجها رفعة لها في قلبه ورفعة لها عند ربها قبل ذلك ومن أسباب رضوان الله عليها.
54. تجتنب ما يكره زوجها ولو كان مباحاً في الشرع.
55. تهتم بلباس زوجها إذا أراد الخروج من البيت.
56. ترضيه إذا غضب ولا تترك الخلاف إلى الليل إن وقع نهاراً ولا إلى اليوم التالي إن وقع ليلاً.
57. لا تسمح لأي أحد بالتدخل في شؤون حياتها مع زوجها.
58. تستشير زوجها في جميع أمورها.
59. تظهر فرحها بهديته لها.
60. تجتهد في فهم زوجها وما يحب وما يكره وما الذي يغضبه وما الذي يسعده.
61. تحرص على التجديد دائماً في بيتها وحياتها وغرفة نومها.
62. لا تقابله بالأخبار السيئة أول وصوله إلى البيت بل تؤخر ذلك إلى الوقت المناسب بعد راحته.
63. لا تظهر مخالفته إذا عاقب زوجها أحد أولاده وإن أخطأ في ذلك ولكن تحدثه بعيداً عن الأولاد.
64. توازن بين حق زوجها وحق أولادها فلا تضيع حق زوجها لحق أولادها.
65. تهتم بضيوفه.
66. تهتم بأن يكون بيتها جاهزاً لاستقبال الضيوف في أي وقت.
67. إذا تأخر زوجها في الرجوع إلى البيت تظهر شوقها إليه ولا تظل تعاتبه على تأخره.
68. تشعر زوجها بأنه أهم شيء في حياتها.
69. لا تقارن بين زوجها وزوج آخر لمرأة أخرى لا بينه وبين أبيها أو أخيها أو زوج أختها أو أخيه .
70. تستقبل زوجها إذا رجع إلى البيت متعباً بما يذهب تعبه.
71. تجتهد في إنهاء أعمال المنزل قبل رجوع زوجها من عمله.
72. تعلم أن غياب زوجها فيما لا بد منه عن البيت يزيد الشوق بينهما ويجدد سعادتهما فلا تتضجر من غيبته.
73. تحاول أن لا تزيد غيرتها عن الحد المعقول.
74. تجتنب أسباب الخلاف مع زوجها، وتحاوره في كل شؤون الأسرة.
75. تسعى لأعمال تشارك بها زوجها هواياته ورغباته.
76. توقن بأنه لا بد من حدوث خلافات في الرأي مع زوجها.
77. تعلم أن دوام الصمت في البيت أحد أكبر أسباب ضعف المحبة والملل؛ ولذلك تجتهد في شغل وقتها مع زوجها بالعمل الصالح والعلم النافع.
78. تحرص أن تسعد زوجها بمفاجآت جميلة من طعام أو شراب أو فكرة أو لباس أو كلمة عذبة أو حركة لطيفة.
79. تعلم أن قيمة الهدية ليست بثمنها بل بطريقة تقديمها.
80. لا تصدق كل ما تسمعه من النساء في الثناء على أزواجهن فإن ذلك من كيد النساء في الإفساد بين الزوجين.

* من أسباب دوام المحبة بين الزوجين:

 البعد عن المعاصي.
 الدعاء.
 التجديد في شؤون الحياة الزوجية الخاصة والعامة.
 الحوار والصراحة.
 اللطف واللين.
 التنازل والتضحية المتبادلة.
 الثناء والمدح والهدية.
 حسن الظن.
 الحلم والصبر على متاعب الحياة.
 ملء الفراغ بما ينفع.
 التواضع.
 حفظ الأسرار.
 الاعتراف بالخطأ والمبادرة إلى الاعتذار.

* من أسباب الخلافات بين الزوجين:
• الذنوب.
 ضعف الاحتساب.
 التقصير في شؤون غرفة النوم.
 الأنانية والاتكالية الزائدة.
 الغيرة المفرطة.
 عدم الموازنة بين حق الزوج وحق الأطفال.
 دوام الصمت والفراغ.
 الاختلاف في طريقة الإنفاق وتكلف ما لا يستطاع.
 كثرة اللوم والعتاب.
 كثرة الشكوى والتسخط.






الأحد، 11 نوفمبر 2018

تربية الابناء



الهدف من التربية أن نساعد الطفل لينمو نموّاً سليماً ونبني شخصية قادرة تتمتع بالإحساس والالتزام والاهتمام، وتتبوأ مكانها في المجتمع، مستخدمين أساليب تربوية فعّالة بحيث تغرس سلوكاً حسناً ولا تدمرهم عاطفياً.
يتعلّم الأطفال ما يجربونه ويتعلمون من أية كلمة تلتقطها أَسماعهم، لذلك فعلى الآباء اختيار الكلمات المناسبة وغير الغاضبة التي لا تُلحق بالأطفال أذى عاطفياً أو معنوياً ولا تقلل من ثقتهم بأنفسهم، بل تلك التي تعزز إيمانهم بقدراتهم وقيمهم الذاتية.
قال توماس مان الحائز على جائزة نوبل للآداب "إن الحديث هو الحضارة نفسها". مع ذلك فبإمكان الكلمات أن تؤدي إلى التوُّحش كما بإمكانها أن تؤدي إلى التحضُّر، بإمكانها أن تجرح كما بإمكانها أن تُشفي، لذا يحتاج الآباء إلى لغة الحنان، اللغة التي تتقبلها النفس بمحبة، وتحتاج هذه اللغة إلى كلمات تنقل المشاعر، واستجابات تغير الأَمزجة، عبارات تشجع النوايا الحسنة، إجابات تجلب التبصُّر، وأجوبة تشع بالاحترام، إن العالم يخاطب العقل، والأهل يتكلمون بحميمية أكثر، إنهم يتخاطبون مع القلوب عندما يتبنون لغة من الاهتمام، تكون حساسة لاحتياجات الأطفال ومشاعرهم، إن ذلك لا يساعد فقط على تطوير صورة إيجابية عن أنفسهم تكون واثقة ومطمئنة لكنها تعلمهم أيضاً معاملة والديهم باحترام واعتبار.
عموماً ليس من السهل استبدال طريقتنا المعتادة بالكلام بلغة الاهتمام، ولكن عندما يبذل الآباء جهدهم بالاستجابة لأولادهم بتعاطف تكون النتائج مجزية، خصوصاً عندما يلمس الأولاد فيه الفرق ويتعلمون أن يتكلموا بنفس الطريقة.
ولا يستطيع الأَولاد اختيار عواطفهم، فهم مسؤولون عن كيفية ووقت تعبيرهم عنها لا يمكن احتمال التصرُّف غير المقبول، إنه من الصعوبة بمكان أن نحاول إجبار الأولاد على تغيير سلوكهم غير المقبول.
ويحتاج الآباء أن تتولد لديهم قناعة بعدم جدوى التذمُر والضغط، فالتكتيكات القسرية تُنتج التذمر والمقاومة فقط، الضغط الخارجي يستدعي المجابهة، يستطيع الآباء أن يؤثروا على أولادهم عن طريق الاستماع لوجهات نظرهم وزجهم بحل مشكلة ما، أكثر مما يستطيعون ذلك عن طريق محاولة فرض إرادتهم عليهم.
كما ويحتاج الأولاد إلى تعريف واضح للسلوك المقبول وللسلوك غير المقبول، إنهم يجدون من الصعب عليهم أن يتصرفوا حسب دوافعهم ورغباتهم بدون المساعدة الأبوية، عندما يعرفون الحدود الواضحة للسلوك المسموح به، فإنهم يشعرون بأمان أكثر.
ومن الأسهل بالنسبة للأهل أن يضعوا القواعد ويصّرحوا عن الممنوعات، أن يضعوا الحدود من أن يطبقوها، يميل الآباء ليكونوا مرنين عندما يتحدّى الأولاد هذه القواعد، يريد الآباء لأولادهم أن يكونوا سعداء، عندما يرفض الأهل أن يسمحوا لأولادهم بكسر القواعد، فيُحتمل أن يحمل الأولاد والديهم على الاعتقاد بأنهم غير محبوبين ومذنبين.
ويحتمل أن يرغب الآباء بوضع أولويات لقواعدهم لأن قواعد كثيرة تكون صعبة التنفيذ وهم يحاولون حصرها بأقل عدد ممكن.
كيف تكون متعاطفاً وفعّالاً مع أولادك؟
إن تطبيق مبادئ التواصل المتعاطف مع الأولاد من شأنه مساعدة الأهل على أن يكونوا مهتمين وفعالين في علاقاتهم مع أولادهم وتلك المبادئ هي:
1 - بداية الحكمة هي الإصغاء، حيث يتيح الإصغاء المتعاطف للآباء سماع المشاعر التي تحاول الكلمات أن تنقلها، وسماع ما الذي يشعر به الأطفال ويمرون به. وأن يستمعوا لوجهات نظرهم وبهذا يتفهمون جوهر التواصل معهم.
ويحتاج الأهل إلى ذهن متفتح وقلب منفتح وعواطف سخية، وهذا من شأنه أن يساعدهم على الإصغاء لكل أنواع الحقائق، سواء كانت مفرحة أم غير مفرحة. لكن العديد من الآباء يخافون أن يستمعوا لأنهم يخشون أن يسمعوا ما لا يرغبون أن يسمعوه.
ولن يكون الأولاد صادقين إلى أن يحدث الآباء مناخاً من الثقة يشجع أولادهم على مشاركة مشاعرهم المقلقة، آراءهم، شكاويهم، وأفكارهم، سيقول الأولاد لابائهم ما يريدون أن يسمعوه فقط.
2 ـ لا تنكر نباهة ولدك، ولا تختلف مع ما يبديه من مشاعر، ولا تستبعد رغباته، ولا تستهزئ بذوقه، ولا تشوه آراءه، ولا تستصغر شخصيته، لا تجادل مع تجربته أو تجربتها، بدلا من ذلك اعترف بها كلها.
3 ـ استعمل التوجيه بدلاً من النقد، صرح عن المشكلة والحل الممكن لها.
4 ـ المديح: عندما تريد أن تخبر أولادك كم تقدرهم أو كم تقدر مجهوداتهم، قم بوصف التصرفات المحددة، لا تقم بوصف خصائص شخصياتهم.
5 ـ تعلم أن تقول "لا" بأَقل الطرق تسبباً للأذى بواسطة المخ بالخيال ما لا أستطيع إعطاؤه بالحقيقة، يلاقي الأطفال صعوبة في التمييز بين الحاجة والرغبة، بالنسبة إليهم أي شيء يطلبونه، فهم بحاجة إليه.
من الصعب على الأهل رفض طلبات أولادهم، إنهم يتمنون لو أنهم يستطيعون تحقيق كل رغباتهم، إنهم يريدون أن يرونهم سعداء، وحين لا تتم تلبية الطلبات الأولاد يغضبون وأحياناً يضطر الأهل لقول كلمة "لا" بقسوة.
6 ـ اسمح للأولاد بالاختيار والتعبير عن القضايا التي تؤثر على حياتهم، يعتمد الأولاد على والديهم، والاعتماد ينتج العنف، لتقليل المشاحنات، يوفر الآباء الفرصة للأولاد لتجربة الاستقلال عنهم، كلما زادت الاستقلالية كلما قلت المشاحنات، كلما زاد الاعتماد على النفس من قبل الأولاد كلما قل تذمر الأهل.
يزدهر الأولاد فقط حينما تُخصب طرق تربية الطفل بالاحترام والتعاطف، يُكون هذا النهج حساسية أَعمق للمشاعر، واستجابة أكبر للاحتياجات في العلاقة التي تثير التحدي بين الوالدين والأولاد.
ويستطيع الآباء أن يستفيدوا من الإضاءة الواضحة لمساعدتهم في الذهاب حيث يريدون بتربية أولادهم، وبالإضافة لتلك الإضاءة يحتاجون إلى المهارة والخبرة المتطورة التي تمكنهم من تربية جيل ناضج علمياً وتربوياً وقادر على المساهمة في بناء المجتمع والوطن وفق حضارة إنسانية وتقنية متطورة.
الاثنين، 5 نوفمبر 2018

الأدلة على زيادة الإيمان ونقصانه عند أهل السنة والجماعة


نتيجة بحث الصور عن من أسباب زيادة الإيمان ونقصانه\
الأدلة على زيادة الإيمان ونقصانه عند أهل السنة والجماعة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين :

يتميز أهل السنة والجماعة دون غيرهم من الطوائف انهم أمة وسط وهذه الوسطية تتجلى في أمور الإيمان والعقيدة والسلوك وغير ذلك
وكما أن هذه الأمة عموما جعلها الله تبارك وتعالى أمة وسطآ فأهل السنة والجماعة هم وسط أهل هذه الأمة وخيارها وهم أصحاب المنهج الوسط في هذه الأمة بين الفرق وهم المتبعون ومن أمثلة وسطية أهل السنة : في باب اﻹيمان :
نجد أن بعض طوائف الأمة قد غلت حتى كفرت من يرتكب ذنبا من الذنوب دون الكفر أو الشرك أخرجته من الملة أو حكمت عليه بالخلود في النار
وعلى الجهة الاخرى نجد من الطوائف من استهان وفرط في الأمر حتى جعل أهل المعاصي والكبائر والفجور مؤمنين كاملي الإيمان

وأهل الغلو هم الخوارج و المعتزلة يقولون أن مرتكب الكبيرة كافر ( كما تقول الخوارج ) أو هو في منزلة بين الإيمان والكفر ( كما تقول المعتزلة ) فاﻹيمان عندهم واحد وكل لا يتجزأ وإذا ذهب فإنه يذهب جملة واحدة
وفي الجهة المقابلة المرجئة وهم طوائف شتى قالوا أن العبد إذا قال لا اله إلا الله وشهد لله بالوحدانية واقر لمحمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة فانه مؤمن كامل الإيمان وان عمل ما عمل وأنكروا أن الإيمان يزيد وينقص وكل من الطرفين خرج عن المنهج الصحيح وعن الوسطية

والصحيح ما عليه أهل السنة و الجماعة من لدن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابة والتابعون لهم وهو : ان الايمان اعتقاد بالجنان و قول باللسان وعمل بالجوارح واﻷركان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية

ومعنى الإيمان في اللغة: مصدر آمن يؤمن إيماناً فهو مؤمن وأصل آمن أأمن بهمزتين لينت الثانية وهو من الأمن ضد الخوف

قال الراغب: أصل الأمن طمأنينة النفس وزوال الخوف (1)

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: فإن اشتقاقه من الأمن الذي هو القرار والطمأنينة وذلك إنما يحصل إذا استقر في القلب التصديق والانقياد.(2)

وقد عرف الإيمان بعدة تعريفات: فقيل: هو التصديق وقيل:هو الثقة وقيل:هو الطمأنينة وقيل:هو الإقرار .(3)

عرفنا أن من معاني الإيمان لغة: التصديق وأن التصديق يكون بالقلب واللسان والجوارح وهكذا الإيمان الشرعي عبارة عن تصديق مخصوص وهو ما يسمى عند السلف بقول القلب وهذا التصديق لا ينفع وحده بل لابد معه من الانقياد والاستسلام وهو ما يسمى بعمل القلب ويلزم من ذلك قول اللسان، وعمل الجوارح وهذه الأجزاء مترابطة لا غنى لواحدة منها عن الأخرى ومن آمن بالله عز وجل فقد أمن من عذابه .(4)

اﻷدلة على زيادة اﻹيمان ونقصانه عند أهل السنة : من الكتاب والسنة وإجماع السلف

● اﻷدلة من القران الكريم : 


قال تعالى {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون}(5)


وقوله تعالى{الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل }(6)

وقوله تعالى { وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانآ فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانآ وهم يستبشرون وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون } (7)

وقال تعالى {ولما رأي المؤمنون اﻷحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانآ وتسلميا } (8)

وقوله تعالى {وهو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم } (9)

وقوله تعالى { ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا } (10)

● اﻷدلة من السنة :


جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [ لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا ينهب نُهبة ذات شرف يرفع الناس إليه فيها بأبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن ] .(11)
فنفى عنه كمال الإيمان الواجب بفعل هذه الكبائر مما دل على نقص الإيمان بفعلها وهكذا كل ما ورد من نفي كمال الإيمان الواجب أو المستحب تدل على زيادته ومن ثمَّ نقصانه


و قوله صلى الله عليه وسلم لوفد عبد القيس وهو [ آمركم بالإيمان بالله وحده ] وقال [ هل تدرون ما الإيمان بالله وحده ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم قال: شهادة أن لا إله إلا الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأن تعطوا من الغنائم الخمس... ] (12) .

ففي هذا الحديث فسر الرسول صلى الله عليه وسلم للوفد الإيمان هنا بالاعتقاد و بقول اللسان وأعمال الجوارح
ومعلوم أنه لم يرد أن هذه الأعمال تكون إيماناً بالله بدون إيمان القلب .

و من اﻷدلة حديث ابن مسعود رضي الله عنه وفيه [ فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل ] (13)

وما رواه أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال [ من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ] (14)

فدل ما سبق على أن الإيمان لا يزال يضعف بتخلف تلك المراتب وهو النقصان وتحصيلها هو زيادته واﻷدلة في ذلك كثيرة

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : وأما إذا قرن الإيمان بالإسلام فإن الإيمان في القلب والإسلام في الظاهر كما في المسند عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [ الاسلام علانية واﻹيمان في القلب والإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت وتؤمن بالقدر خيره وشره ](15)
ومتى حصل له هذا الإيمان وجب ضرورة أن يحصل له الإسلام الذي هو الشهادتان والصلاة والزكاة والصيام والحج لأن إيمانه بالله وملائكته وكتبه ورسله يقتضي الاستسلام لله والانقياد له وإلا فمن الممتنع أن يكون قد حصل له الإقرار والحب والانقياد باطنا ولا يحصل ذلك في الظاهر مع القدرة عليه كما يمتنع وجود الإرادة الجازمة مع القدرة بدون وجود المراد
وبهذا تعرف أن من آمن قلبه إيمانا جازما امتنع أن لا يتكلم بالشهادتين مع القدرة فعدم الشهادتين مع القدرة مستلزم انتفاء الإيمان القلبي التام وبهذا يظهر خطأ جهم ومن اتبعه في زعمهم أن مجرد إيمان بدون الإيمان الظاهر ينفع في الآخرة فإن هذا ممتنع إذ لا يحصل الإيمان التام في القلب إلا ويحصل في الظاهر موجبه بحسب القدرة فإن من الممتنع أن يحب الإنسان غيره حبا جازما وهو قادر على مواصلته ولا يحصل منه حركة ظاهرة إلى ذلك .(16)

وقال رحمه الله :
فإذا قرن الإيمان بالإسلام كان مسمى الإسلام خارجا عنه كما في حديث جبريل وإن كان لازما له . (17)

يتبين لنا في مسألة تلازم اﻹيمان واﻹسلام إنه لا إسلام لمن لا إيمان له ولا إيمان لمن لا إسلام له إذ لا يخلو المسلم من إيمان به يصحُّ إسلامه ولا يخلو المؤمن من إسلام به يُحققُ إيمانه لما بين الباطن والظاهر من ارتباط وتلازم فإذا افترقآ اجتمعا وإذا اجتمعا افترقآ .

● ومن أقوال السلف في أن الإيمان اعتقاد و قول و عمل يزيد وينقص وهي مثبتة ﻷجماع أهل السنة على زيادة اﻹيمان ونقصانه وفيها رد على أهل البدع :


١- قول الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأصحابه: هلموا نزداد إيمانا و في لفظ: تعالوا نزداد إيمانا .(18)

٢- وقول الصحابي عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: اجلسوا بنا نزداد إيمانا (19)

٣- وعن مجاهد بن جبر رحمه الله قال:
الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص (20)

٤-وقال اﻹمام الأوزاعي رحمه الله : الإيمان قول وعمل يزيد وينقص فمن زعم أن الإيمان يزيد ولا ينقص فاحذروه فإنه مبتدع . (21)

٥ - وقال عبدالرزاق الصنعاني:سمعت معمرا وسفيان الثوري ومالك بن أنس وابن جريج وسفيان بن عيينة يقولون:الإيمان قول وعمل يزيد وينقص (22)

٦- قال اﻹمام الشافعي رحمه الله : وكان اﻹجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ومن أدركنا يقولون إن اﻹيمان قول وعمل ونية لا تجزىء واحدة من الثلاثة إلا باﻷخرى . (23)

فيتلخص لنا أن أهل السنة والجماعة يقولون : الإيمان هو قول باللسان وقول بالقلب وعمل بالجوارح وعمل بالقلب ومن أقوالهم :وعمل ومن أقوالهم : وعمل ونية فالإيمان لا بد أن يكون بهذه الأمور الأربعة :
▪ قول اللسان وهو النطق باللسان
▪ قول القلب وهو الإقرار والتصديق
▪ عمل القلب وهو النية والإخلاص
▪ عمل الجوارح

فالعمل جزء من أجزاء الإيمان الأربعة فلا يقال : العمل شرط كمال أو أنه لازم له فإن هذه أقوال المرجئة ولا يعلم لأهل السنة قولا بأن العمل شرط كمال .



---------------------------------------
(1) الصحاح للجوهري ج٥ ص٢٧١ المفردات ٣٥
(2)الصارم المسلول ٥١٩
(3)زيادة الإيمان ونقصانه وحكم الاستثناء فيه لعبد الرزاق البدر 17
(4)نواقض الإيمان الاعتقادية وضوابط التكفير عند السلف لمحمد الوهيبي
(5)سورة الأنفال اﻵية ٢
(6)سورة آل عمران اﻵية ١٧٣
(7)سورة التوبة اﻵية ١٢٥
(8)سورة الأحزاب اﻵية ٢٢
(9) سورة الفتح اﻵية ٤
(10)سورة المدثر اﻵية ٣١
(11)متفق عليه "" البخاري ٢٤٧٥ ومسلم ٥٧""
(12) متفق عليه وهو في البخاري رقم ٥٣ ومسلم ١٧ من حديث ابن عباس رضي الله عنهما
(13)رواه مسلم ج١ ص ٦٩
(14)رواه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه رقم ٤٩
(15)رواه أحمد في مسنده ج ٣ ص ١٣٤
(16)الفتاوى ج٧ ص ٥٥٣
(17)الفتاوى ج٥ ص ٥٥٥]
(18) اﻵجري في الشريعة ١٠٩
(19) البيهقي في شعب اﻹيمان ج ١ ص ١٧٣
(20)ابن بطة في اﻹبانة ج٢ ص ٨٥٩
(21)اﻵجري في الشريعة ١١٤
(22)اﻵجري في الشريعة ١٢٩
(23) مجموع الفتاوى ج ٧ ص ١٧٠ . 

من أسباب زيادة الإيمان ونقصانه

نتيجة بحث الصور عن من أسباب زيادة الإيمان ونقصانه\


من أسباب زيادة الإيمان ونقصانه
 
الحمد لله الذي حث على الذي حث على الإكثار من الطاعات لينال العبد بذلك انشراح الصدر وسعة العيش وهناء الحياة , فقال تعالى : "مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ "
والصلاة والسلام على خير الورى وخير من وطئ بقدمه الثرى , صلاة وسلاما دائمين إلى يوم الدين ثم أما بعد .
أعلمُ أخي المبارك أننا صرنا نعيش زماناً يعزُّ على الإنسان أن يستمسك بإيمانه حينما يزيد ولربما شكا كثيرا من قلبه المتقلب , ولربما تذكر زماناً عاشه مرت عليه لحظات كان قلبه في سعادة تمنى تكرارها , ولربما تفكر وتذكر طاعات بدأت تزول شيئا فشيئا , ورأى من نفسه تهاوناً في كثير من الطاعات , فتارة ينظر في وتره , وتارة في صيامه , وأخرى في صلاته للضحى , وأخرى في بقية نوافله , وتارة في أذكاره , وأخرى في أخلاقه وقلبه , فإذا بقلبه يتحسر هنا ويزيد حسرة هناك , وأعظم منه حسرة من لم يحاسب نفسه ولم يتدارك قلبه , فيغيثه بما يغذيه ويقويه , وأحببت أخي أن أذكر نفسي قبل أن أذكرك بما يقوي الإيمان ويزيده في القلب , ويساعد العبد على الثبات , فجمعت أسباباً عشرة راجياً من الله تعالى بها سبيل الدلالة لقلبي وقلبك فإليك هذه الأسباب رعاك الله .

اعلم أخي المبارك أن الإيمان يزيد بأمور وبضدها ينقص الإيمان ، فمما يزيد الإيمان عشرة أسباب أسوقها لك مع أدلتها:- 

أولاً : معرفة الله جل وعلا بأسمائه والحسنى وصفاته العلى . 
ومما يدل على ذلك : قول الله عز وجل : {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} فاطر: ٢٨ ووجه ذلك أن العلماء أعرف الناس بأسماء الله تعالى وصفاته ، فاستحضروها في دعائهم وفي جميع شؤون حياتهم حتى كانوا أخشى الناس ، والخشية أثر لقوة الإيمان في قلوبهم ، وإلا فالعلم الذي لا يورث هذه الخشية علم مدخول نسأل الله السلامة والعافية .
قال ابن رجب : " العلم النافع يدل على أمرين : أحدهما : على معرفة الله وما يستحقه من الأسماء الحسنى والصفات العلى والأفعال الباهرة ، وذلك يستلزم إجلاله وإعظامه وخشيته ومهابته ، ومحبته ، ورجاءه والتوكل عليه والرضاء بقضائه والصبر على بلائه ، والأمر الثاني : المعرفة بما يحبه ويرضاه ، وما يكرهه وما يسخطه من الاعتقادات والأعمال الظاهرة والباطنة والأقوال ، فيوجب ذلك لمن علمه المسارعة إلى ما فيه محبة الله ورضاه والتباعد عما يكرهه ويسخطه فإذا أثمر العلم لصاحبه هذا فهو علم نافع ، فمتى كان العلم نافعاً ووقر في القلب فقد خشع القلب لله وانكسر له ، وذل هيبة وإجلالا وخشية ومحبة وتعظيما " [ انظر فضل علم السلف على فضل الخلف في ص ( 64-65 ) ]
وقال أيضاً في ص ( 67 ) " فالعلم النافع ما عَّرف العبد بربِّه ، ودلَّه عليه حتى عرفه ووحَّده وأنس به واستحى من قربه وعَبَده كأنه يراه " أ.هـ .
وإذا وصل العبد إلى عبادة ربه كأنه يراه لا شك أنه وصل إلى مرتبة عظيمة من الإيمان لأنه وصل إلى أعظم المراتب وهي الإحسان . 

ثانياً : طلب العلم الشرعي 

ويدل عليه ما تقدم : قول الله عز وجل : {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}فالعلم طريق للخشية التي هي علامة لما وقر في القلب من إيمان وذلك يأتي بالعلم النافع كما تقدم ، ولذا يقول الأمام أحمد : " أصل العلم الخشية "
وأيضاً لما تكلم أحد الناس عن الإمام الزاهد العابد " معروف الكرخي " رحمه الله في مجلس الإمام أحمد وقال عنه : " إنه قصير العلم " نهره الإمام أحمد وقال : " أمسك عافاك الله وهل يراد من العلم إلا ما وصل إليه معروف " ولذا جعله النبي طريقاً إلى الجنة فقال : " من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة " رواه مسلم . 

ثالثاً : التأمل في آيات الله الكونية ومخلوقاته جل وعلا 

ويدل على ذلك : قول الله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} عمران: ١٩٠ وقوله تعالى : {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ}الذاريات: ٢١ وقوله {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} يونس: ١٠١فإن العبد إذا تفكر في آيات الله تعالى في هذا الكون عرف عظمة الله تعالى فازداد إيمانه
قال عامر بن عبد قيس : " سمعت غير واحد ولا اثنين ولا ثلاثة من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يقولون : " إن ضياء الإيمان أو نور الإيمان التفكر " [ انظر الدرر المنثور ( 2/409) ] 

رابعاً : قراءة القرآن وتدبره 

ففي قراءته وتلاوته يزداد الإيمان ويدل على ذلك : قول الله عز وجل في وصف المؤمنين الصادقين : {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا}[الأنفال: ٢ وكذلك تدبره ففيه أعظم النفع لزيادة الإيمان وأما القلوب الغافلة فلا تتدبره ، ويدل على ذلك قول الله تعالى : {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} محمد: ٢٤ .
- قال ابن القيم رحمه الله : " قراءة آية بتفكر وتفهم خير من قراءة ختمة بغير تدبر وتفهم وأنفع للقلب وأدعى في حصول الإيمان وذوق حلاوة القرآن "
وقال أيضاً : " فليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده ، وأقرب إلى نجاته من تدبر القرآن ، وإطالة التأمل ، وجمع الفكر على معاني آياته ، فإنها تطلع العبد على معالم الخير والشر بحذافيرها ... وتثبت قواعد الإيمان في قلبه وتشيِّد بنيانه وتوطِّد أركانه " [ انظر مدارج السالكين 1/485 ]
فإذا تدبر العبد آيات الله تعالى وما فيها من وعد ووعيد وجنة ونار والأعمال التي تسوق إليهما زاد إيمانه ويقينه بوعد ربه ووعيده . 

خامساً : الإكثار من ذكر الله تعالى 

ويدل على ذلك : قول الله تعالى : {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}الرعد: ٢٨ وقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي موسى : " مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت " رواه البخاري ، فذكر الله عز وجل فيه حياة للقلب فيزداد إيمان العبد كلما أكثر من ذكر ربه ، ويموت القلب وينقص إيمان العبد كلما كان بعيداً عن ذكر ربه وفي هذا علامة على الغفلة قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}المنافقون: ٩ وقال في وصف المنافقين الذين ملئت قلوبهم كفراً وبعداً عن الله تعالى : {وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً} النساء: ١٤٢ قال أبو الدرداء رضي الله عنه " : لكل شيء جلاء ،وإن جلاء القلوب ذكر الله عز وجل " [ انظر شعب الإيمان (1/396) والوابل الصيب (60) ] قال عمير بن حبيب : " الإيمان يزيد وينقص . فقيل فما زيادته وما نقصانه ؟ قال : إذا ذكرنا ربنا وخشيناه فذلك زيادته ، وإذا غفلنا ونسيناه وضيعنا فذلك نقصانه " [ انظر الإيمان لابن أبي شيبة (7) ] وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : " الذكر للقلب مثل الماء للسمك ، فكيف يكون حال السمك إذا فارق الماء " [ انظر الوابل الصيب (63) ]

سادساً : تقديم ما يحبه الله ورسوله على هوى النفس 

ويدل على ذلك : حديث أنس قال صلى الله عليه وسلم : " ثلاث من كنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار" متفق عليه
قال ابن حجر : " قال البيضاوي : وإنما جعل هذه الأمور الثلاثة عنواناً لكمال الإيمان لأن المرء إذا تأمل أن المنعم بالذات هو الله تعالى ، وأن لا مانح ولا مانع في الحقيقة سواه ، وأن ما عداه وسائط ، وأن الرسول هو الذي يبين مراد ربه ، اقتضى ذلك أن يتوجه بكليتيه نحوه : فلا يحب إلا ما يحب ، ولا يحب من يحب إلا من أجله ... " [ انظر الفتح المجلد الأول كتاب الإيمان باب حلاوة الإيمان ] ومن أعظم علامات محبة الله ورسوله تقديم ما يحبه الله ورسوله على هوى نفسه ، قال تعالى : {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}آل عمران: ٣١ وكذا مما يزيد الإيمان الحب في الله ، وكراهة الوقوع في الكفر فيبتعد عن كل ما يهوي به إلى ذلك . 

سابعاً : حضور مجالس الذكر والحرص عليها 

ويدل على ذلك حديث حنظلة الأُسيدي قال : " قلت : نافق حنظلة يا رسول الله ، فقال صلى الله عليه وسلم : " وما ذاك ؟ " قلت يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة ، حتى كأنّا رأي عين ، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات ، نسينا كثيراً ، فقال صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة " رواه مسلم
والضيعات : هي معاش الرجل من مال أو حرفة أو صناعة .
وقال معاذ بن جبل لأحد أصحابه يتذاكر معه : " اجلس بنا نؤمن ساعة " رواه البخاري في صحيحه معلقاً ، وقال ابن حجر في الفتح : " وهو عن الأسود بن هلال قال : قال لي معاذ بن جبل : " اجلس بنا نؤمن ساعة " وفي رواية : " كان معاذ بن جبل يقول للرجل من إخوانه : " اجلس بنا نؤمن ساعة فيجلسان فيذكران الله تعالى ويحمدانه " [ انظر الفتح المجلد الأول كتاب الإيمان باب بني الإسلام على الخمس ]
قال أبو الدرداء : " كان ابن رواحة يأخذ بيدي ويقول : " تعال نؤمن ساعة ، إن القلب أسرع تقلباً من القدر إذا استجمعت غليانها " [ انظر ( الزهد و الرقائق ) لابن المبارك وانظر ( الإبانة الكبرى ) لابن بطة ]
وفي شعب الإيمان للبيهقي : " عن عطاء بن يسار أن عبد الله بن رواحه قال لصاحب له : " تعال حتى نؤمن ساعة " قال أو لسنا مؤمنين ؟ قال : " بلى ولكنا نذكر الله فنزداد إيماناً "
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى : " كان الصحابة رضي الله عنه يجتمعون أحياناً : يأمرون أحدهم يقرأ والباقون يستمعون . وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : يا أبا موسى ذكرنا ربنا فيقرأ وهم يستمعون "
ولأن العبد في مجالس الذكر يسمع ما يحثه على طاعة غفل عنها وما يذكره في معصية وقع فيها لينتهي .
- ويدخل تحت هذا السبب سبب آخر من مقويات الإيمان وهو مصاحبة الأخيار ، وتقدم نماذج للصحابة في ذلك
ويدل عليه : قول الله تعالى : {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} الكهف: ٢٨ ، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " المرء على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل " رواه أحمد و أبو داود والترمذي ، و الحديث صححه الحاكم ، وصحح إسناده النووي
قال المباركفوري : " (على دين خليله ) أي على عادة صاحبه وطريقته وسيرته ( فلينظر ) أي فليتأمل وليتدبر ( من يخالل ) من المخالة وهي المصادقة والإخاء ، فمن رضي دينه وخلقه خالَلَه ومن لا تجنبه ، فإن الطباع سراقة والصحبة مؤثرة في إصلاح الحال وإفساده . قال الغزالي : مجالسة الحريص ومخالطته تحرك الحرص ومجالسة الزاهد ومخاللته تزهد في الدنيا لأن الطباع مجبولة على التشبه والاقتداء " [ انظر تحفه الأحوذي كتاب الزهد ]
قال الشاعر :
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه --- فكل قرين بالمقارن يقتدي

وقال آخر :
فصاحب تقياً عالماً تنتفع بـه --- فصحبة أهل الخير ترجى وتطلبُ
وإياك والفسـاق لاتصحبنهم --- فقربهمُ يُعدي وهذا مجَّــربُ
فإنا رأينا المرء يسرق طبعه --- من الألف ثم الشرُ للناس أغلبُ
وفي المثل (الصاحب ساحب ) فصاحب الإيمان يسحبه إلى ما فيه زيادة الإيمان والعكس بالعكس .
وفي الصحيحين من حديث أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير ، فحامل المسك إما أن يحذيك ، وإما أن تبتاع منه ، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة ، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما تجد ريحاً خبيثة " ويحذيك أي يعطيك ، والأدلة وأقوال السلف كثيرة في أثر الصحبة الصالحة في زيادة الإيمان . 

ثامناً : البعد عن المعاصي 

لا شك أن اقتراف المعاصي سبب في نقصان الإيمان والبعد عنها ومدافعتها سبب زيادته فمن عقيدة أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ، وإن من طاعة الله تعالى أن يبتعد الإنسان عن المعاصي ، والفتن ، فأي عبد أراد أن يعيش قلبه سليماً من الأمراض لا تضره الفتن ما دامت السماوات والأرض فليبتعد عنها ولينكرها .
ويدل عليه : حديث حذيفة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عودا ، فأي قلب أُشربها نكت فيه نكتة سوداء ، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين ، على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة مادامت السموات والأرض ، والآخر أسود مُرباداً كالكوز مجخيا لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكرا إلا ما أَشرب من هواه " رواه مسلم ، ومرباداً أي مخلوطاً حمرة بسواد ، كالكوز مجخيا أي كالكأس المنكوس المقلوب الذي إذا انصب فيه شيء لا يدخل فيه .
قال القاضي عياض : " ليس تشبيهه بالصفا بياناً لبياضه ، لكن صفة أخرى لشدته على عقد الإيمان وسلامته من الخلل ، وأن الفتن لم تلصق به ولم تؤثر فيه كالصفا وهو الحجر الأملس " [ انظر شرح مسلم للنووي المجلد الأول كتاب الإيمان ]
وهكذا المؤمن كلما كان من الفتن والمعاصي أبعد كان حفاظه على سلامة قلبه وازدياد إيمانه أكثر ، وكلما تهاون بالذنوب وتعرض للفتن كلما نقص إيمانه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " غض البصر يورث ثلاث فوائد : حلاوة الإيمان ولذته ، نور القلب والفراسة ... قوة القلب وثباته وشجاعته " [ انظر الفتاوى (10 / 252 )]
قال ابن المبارك :
رأيت الذنوب تميت القلوب --- وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب --- وخير لنفسك عصيانها

تاسعاً : الإكثار من النوافل والطاعات 

فكلما أكثر العبد من النوافل نال ثمرات كثيرة منها محبة الله له ومعيته فلا يصدر من جوارحه إلا ما يرضي الله جل وعلا ، وأيضاً يكون مجاب الدعوة ، وإذا نال العبد هذه الثمرات زاد إيمانه لأنه نال محبة الله ورضاه عنه مع ما في النوافل من ثمرات .
ويدل عليه : حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند البخاري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل : " وما يزال عبدي يقترب إليَّ بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ، ولئن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه " فليجتهد العبد ويكثر من النوافل في الصيام والصلاة والذكر وسائر أعمال البر . 

عاشراً : سؤال الله تعالى زيادة الإيمان وتجديده 

ويدل عليه : حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه و عبد الله بن عمر رضي الله عنه قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب ، فا سألوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم " رواه الطبراني عن ابن عمر وقال الهيثمي : " إسناده حسن " ورواه الحاكم عن ابن عمرو وقال : " رواته ثقات " وأقره الذهبي وحسنه الألباني في الصحيحة (1585) ، وقوله : " إن الإيمان ليخلق " أي إنه ليبلى ، فالمؤمن إذا أحس بقسوة في قلبه وفتور ونقص في الإيمان سأل الله تعالى أن يجدد الإيمان ويزيده في قلبه ، فقد كان السلف يحرصون على هذا الجانب فيسألون الله عز وجل زيادة الإيمان ، فهذا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول : " اللهم زدنا إيماناً ويقيناً وفقهاً " قال الحافظ في الفتح (1/48) " رواه أحمد في الإيمان وإسناده صحيح " وتقدم قول معاذ لبعض أصحابه : " اجلس بنا نؤمن ساعة " وكذلك قول ابن رواحة لأبي الدرداء : " تعال نؤمن ساعة " وكان أبو الدرداء يقول : " من فقه العبد أن يعلم أمزداد هو أو منتقص – أي من الإيمان – وإن من فقه العبد أن يعلم نزغات الشيطان أنى تأتيه "

ما تقدم من الأسباب العشرة هي من أهم أسباب زيادة الإيمان ، وهناك أسباب أخرى : كالأمر بالمعروف والنهي عن النكر ، وزيارة القبور ، وتأمل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ، والقراءة في سير السلف ، الاهتمام بأعمال القلوب كالخوف والرجاء والمحبة والتوكل وغيرها ، والدعوة إلى الله تعالى ، والتقلل من الدنيا ومن المباحات والفضول في الطعام والكلام والنظر ، وتنويع العبادة ، وتذكر منازل الآخرة ، ومناجاة الله تعالى والانكسار بين يديه ، وتعظيم حرماته ، والولاء والبراء "
وبضد أسباب زيادة الإيمان نعرف أسباب نقصانه ، أسأل الله أن يزيدنا إيماناً ويجدده في قلوبنا .