الاثنين، 13 نوفمبر 2017

أعمال القلوب

✿🎯

إذا أردت أن تربي نفسك ،
فعليك أن تحرس قلبك في الحال ، فإنه يحرسك في المآل 🔖

يقول أبو حفص النيسابوري رحمه الله «
حرست قلبي عشرين سنة ، ثم حرسني قلبي عشرين سنة ، ثم وردت حالة صرنا فيها محروسَين جميعًا » .

و معنى هذا الكلام :
أنه كان في مكابدة عشرين سنة حتى استقام قلبه ،
فحرسه عشرين سنة ،
ثم مرت عليه أحوال صار قلبه فيها محروسًا ،
وصارت جوارحه محروسة ؛

حينما تروَّضت على طاعة الله عز وجل ،
فأصبحت عينه لا تنظر إلا إلى ما يرضي الله ،
وصار قلبه ينفر من السماع المحرم الذي يعشقه كثير من الناس ، وتميل إليه قلوبهم ،
وصارت أذنه تمجُّه ، لا يجد له لذة ولا حلاوة ، كما يجدها أولئك الذين مرضت قلوبهم .

🎯ولهذا إذا أردت أن تربي نفسك ،
فعليك أن تحرس قلبك في الحال ، فإنه يحرسك في المآل ،
ثم تكون بعد ذلك محروسًا معه ؛

فلا بد أن نربي القلوب
على الإخبات والخوف والخشية ، والمجاهدة والمحبة ، والصبر واليقين ،
وغير ذلك من المعاني ،

غير مكتفين بمعرفة بعض الآداب والأحوال الظاهرة ، وإن كانت مطلوبه .

فحيث استقام قلب العبد ، استقامت أقواله وأعماله وجوارحه ،
فإذا جاءه الشيطان بخاطرة من الخواطر قبل أن يستقيم قلبه ، ويثبت على الطاعة ،
فإن القلب يحتاج إلى مدافعة عظيمة ،
فإذا صار في القلب قوة وصلابه في الإيمان ،
واستقام لصاحبه ، فروَّضه على طاعة الله والإقبال عليه ، فإنه يحرس صاحبه ،

فإذا رأى شيئًا تلتفت إليه كثير من النفوس الضعيفة ، ويتطلع إليه أصحاب القلوب المريضة ، فيطمع الذي في قلبه مرض -
انصرف قلبه عن هذه الأمور المشينة ، ولم يلتفت إليها ،

🎯مستحضرًا عظمة الله وجلاله ، وجميل فضله وثوابه ، عالمًا بمراقبة الله له ؛ فلا تتحرك نفسه للمعصية أو الوقوع في الريبة .

أما إذا خلت القلوب من ذلك مع صلاح الظاهر ،
فإن أمراض القلوب وعِللها تظهر في مناسبات كثيرة :
تظهر في حال المنافسات ، فيتصارع الأقران ،
ويحصل التباغض والتشاحن ، وتحصل العداوة والشقاق ،

كما تظهر في المواطن التي تتطلع النفس فيها إلى الظهور والعلو في الأرض .

[ أعمال القلوب لـ د.خالد السبت ١ / ٣٤ ]

الجمعة، 10 نوفمبر 2017

زيادة الايمان

من أسباب زيادة الإيمان ونقصانه

 
الحمد لله الذي حث على الذي حث على الإكثار من الطاعات لينال العبد بذلك انشراح الصدر وسعة العيش وهناء الحياة , فقال تعالى : "مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ "
والصلاة والسلام على خير الورى وخير من وطئ بقدمه الثرى , صلاة وسلاما دائمين إلى يوم الدين ثم أما بعد .
أعلمُ أخي المبارك أننا صرنا نعيش زماناً يعزُّ على الإنسان أن يستمسك بإيمانه حينما يزيد ولربما شكا كثيرا من قلبه المتقلب , ولربما تذكر زماناً عاشه مرت عليه لحظات كان قلبه في سعادة تمنى تكرارها , ولربما تفكر وتذكر طاعات بدأت تزول شيئا فشيئا , ورأى من نفسه تهاوناً في كثير من الطاعات , فتارة ينظر في وتره , وتارة في صيامه , وأخرى في صلاته للضحى , وأخرى في بقية نوافله , وتارة في أذكاره , وأخرى في أخلاقه وقلبه , فإذا بقلبه يتحسر هنا ويزيد حسرة هناك , وأعظم منه حسرة من لم يحاسب نفسه ولم يتدارك قلبه , فيغيثه بما يغذيه ويقويه , وأحببت أخي أن أذكر نفسي قبل أن أذكرك بما يقوي الإيمان ويزيده في القلب , ويساعد العبد على الثبات , فجمعت أسباباً عشرة راجياً من الله تعالى بها سبيل الدلالة لقلبي وقلبك فإليك هذه الأسباب رعاك الله .

اعلم أخي المبارك أن الإيمان يزيد بأمور وبضدها ينقص الإيمان ، فمما يزيد الإيمان عشرة أسباب أسوقها لك مع أدلتها:- 
أولاً : معرفة الله جل وعلا بأسمائه والحسنى وصفاته العلى . 
ومما يدل على ذلك : قول الله عز وجل : {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} فاطر: ٢٨ ووجه ذلك أن العلماء أعرف الناس بأسماء الله تعالى وصفاته ، فاستحضروها في دعائهم وفي جميع شؤون حياتهم حتى كانوا أخشى الناس ، والخشية أثر لقوة الإيمان في قلوبهم ، وإلا فالعلم الذي لا يورث هذه الخشية علم مدخول نسأل الله السلامة والعافية . 
قال ابن رجب : " العلم النافع يدل على أمرين : أحدهما : على معرفة الله وما يستحقه من الأسماء الحسنى والصفات العلى والأفعال الباهرة ، وذلك يستلزم إجلاله وإعظامه وخشيته ومهابته ، ومحبته ، ورجاءه والتوكل عليه والرضاء بقضائه والصبر على بلائه ، والأمر الثاني : المعرفة بما يحبه ويرضاه ، وما يكرهه وما يسخطه من الاعتقادات والأعمال الظاهرة والباطنة والأقوال ، فيوجب ذلك لمن علمه المسارعة إلى ما فيه محبة الله ورضاه والتباعد عما يكرهه ويسخطه فإذا أثمر العلم لصاحبه هذا فهو علم نافع ، فمتى كان العلم نافعاً ووقر في القلب فقد خشع القلب لله وانكسر له ، وذل هيبة وإجلالا وخشية ومحبة وتعظيما " [ انظر فضل علم السلف على فضل الخلف في ص ( 64-65 ) ]
وقال أيضاً في ص ( 67 ) " فالعلم النافع ما عَّرف العبد بربِّه ، ودلَّه عليه حتى عرفه ووحَّده وأنس به واستحى من قربه وعَبَده كأنه يراه " أ.هـ . 
وإذا وصل العبد إلى عبادة ربه كأنه يراه لا شك أنه وصل إلى مرتبة عظيمة من الإيمان لأنه وصل إلى أعظم المراتب وهي الإحسان . 

ثانياً : طلب العلم الشرعي 
ويدل عليه ما تقدم : قول الله عز وجل : {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}فالعلم طريق للخشية التي هي علامة لما وقر في القلب من إيمان وذلك يأتي بالعلم النافع كما تقدم ، ولذا يقول الأمام أحمد : " أصل العلم الخشية " 
وأيضاً لما تكلم أحد الناس عن الإمام الزاهد العابد " معروف الكرخي " رحمه الله في مجلس الإمام أحمد وقال عنه : " إنه قصير العلم " نهره الإمام أحمد وقال : " أمسك عافاك الله وهل يراد من العلم إلا ما وصل إليه معروف " ولذا جعله النبي طريقاً إلى الجنة فقال : " من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة " رواه مسلم . 

ثالثاً : التأمل في آيات الله الكونية ومخلوقاته جل وعلا 
ويدل على ذلك : قول الله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} عمران: ١٩٠ وقوله تعالى : {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ}الذاريات: ٢١ وقوله {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} يونس: ١٠١فإن العبد إذا تفكر في آيات الله تعالى في هذا الكون عرف عظمة الله تعالى فازداد إيمانه 
قال عامر بن عبد قيس : " سمعت غير واحد ولا اثنين ولا ثلاثة من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يقولون : " إن ضياء الإيمان أو نور الإيمان التفكر " [ انظر الدرر المنثور ( 2/409) ]

رابعاً : قراءة القرآن وتدبره 
ففي قراءته وتلاوته يزداد الإيمان ويدل على ذلك : قول الله عز وجل في وصف المؤمنين الصادقين : {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا}[الأنفال: ٢ وكذلك تدبره ففيه أعظم النفع لزيادة الإيمان وأما القلوب الغافلة فلا تتدبره ، ويدل على ذلك قول الله تعالى : {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} محمد: ٢٤ . 
- قال ابن القيم رحمه الله : " قراءة آية بتفكر وتفهم خير من قراءة ختمة بغير تدبر وتفهم وأنفع للقلب وأدعى في حصول الإيمان وذوق حلاوة القرآن " 
وقال أيضاً : " فليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده ، وأقرب إلى نجاته من تدبر القرآن ، وإطالة التأمل ، وجمع الفكر على معاني آياته ، فإنها تطلع العبد على معالم الخير والشر بحذافيرها ... وتثبت قواعد الإيمان في قلبه وتشيِّد بنيانه وتوطِّد أركانه " [ انظر مدارج السالكين 1/485 ]
فإذا تدبر العبد آيات الله تعالى وما فيها من وعد ووعيد وجنة ونار والأعمال التي تسوق إليهما زاد إيمانه ويقينه بوعد ربه ووعيده . 

خامساً : الإكثار من ذكر الله تعالى 
ويدل على ذلك : قول الله تعالى : {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}الرعد: ٢٨ وقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي موسى : " مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت " رواه البخاري ، فذكر الله عز وجل فيه حياة للقلب فيزداد إيمان العبد كلما أكثر من ذكر ربه ، ويموت القلب وينقص إيمان العبد كلما كان بعيداً عن ذكر ربه وفي هذا علامة على الغفلة قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}المنافقون: ٩ وقال في وصف المنافقين الذين ملئت قلوبهم كفراً وبعداً عن الله تعالى : {وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً} النساء: ١٤٢ قال أبو الدرداء رضي الله عنه " : لكل شيء جلاء ،وإن جلاء القلوب ذكر الله عز وجل " [ انظر شعب الإيمان (1/396) والوابل الصيب (60) ] قال عمير بن حبيب : " الإيمان يزيد وينقص . فقيل فما زيادته وما نقصانه ؟ قال : إذا ذكرنا ربنا وخشيناه فذلك زيادته ، وإذا غفلنا ونسيناه وضيعنا فذلك نقصانه " [ انظر الإيمان لابن أبي شيبة (7) ] وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : " الذكر للقلب مثل الماء للسمك ، فكيف يكون حال السمك إذا فارق الماء " [ انظر الوابل الصيب (63) ]

سادساً : تقديم ما يحبه الله ورسوله على هوى النفس 
ويدل على ذلك : حديث أنس قال صلى الله عليه وسلم : " ثلاث من كنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار" متفق عليه 
قال ابن حجر : " قال البيضاوي : وإنما جعل هذه الأمور الثلاثة عنواناً لكمال الإيمان لأن المرء إذا تأمل أن المنعم بالذات هو الله تعالى ، وأن لا مانح ولا مانع في الحقيقة سواه ، وأن ما عداه وسائط ، وأن الرسول هو الذي يبين مراد ربه ، اقتضى ذلك أن يتوجه بكليتيه نحوه : فلا يحب إلا ما يحب ، ولا يحب من يحب إلا من أجله ... " [ انظر الفتح المجلد الأول كتاب الإيمان باب حلاوة الإيمان ] ومن أعظم علامات محبة الله ورسوله تقديم ما يحبه الله ورسوله على هوى نفسه ، قال تعالى : {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}آل عمران: ٣١ وكذا مما يزيد الإيمان الحب في الله ، وكراهة الوقوع في الكفر فيبتعد عن كل ما يهوي به إلى ذلك . 

سابعاً : حضور مجالس الذكر والحرص عليها 
ويدل على ذلك حديث حنظلة الأُسيدي قال : " قلت : نافق حنظلة يا رسول الله ، فقال صلى الله عليه وسلم : " وما ذاك ؟ " قلت يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة ، حتى كأنّا رأي عين ، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات ، نسينا كثيراً ، فقال صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة " رواه مسلم 
والضيعات : هي معاش الرجل من مال أو حرفة أو صناعة . 
وقال معاذ بن جبل لأحد أصحابه يتذاكر معه : " اجلس بنا نؤمن ساعة " رواه البخاري في صحيحه معلقاً ، وقال ابن حجر في الفتح : " وهو عن الأسود بن هلال قال : قال لي معاذ بن جبل : " اجلس بنا نؤمن ساعة " وفي رواية : " كان معاذ بن جبل يقول للرجل من إخوانه : " اجلس بنا نؤمن ساعة فيجلسان فيذكران الله تعالى ويحمدانه " [ انظر الفتح المجلد الأول كتاب الإيمان باب بني الإسلام على الخمس ] 
قال أبو الدرداء : " كان ابن رواحة يأخذ بيدي ويقول : " تعال نؤمن ساعة ، إن القلب أسرع تقلباً من القدر إذا استجمعت غليانها " [ انظر ( الزهد و الرقائق ) لابن المبارك وانظر ( الإبانة الكبرى ) لابن بطة ]
وفي شعب الإيمان للبيهقي : " عن عطاء بن يسار أن عبد الله بن رواحه قال لصاحب له : " تعال حتى نؤمن ساعة " قال أو لسنا مؤمنين ؟ قال : " بلى ولكنا نذكر الله فنزداد إيماناً " 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى : " كان الصحابة رضي الله عنه يجتمعون أحياناً : يأمرون أحدهم يقرأ والباقون يستمعون . وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : يا أبا موسى ذكرنا ربنا فيقرأ وهم يستمعون " 
ولأن العبد في مجالس الذكر يسمع ما يحثه على طاعة غفل عنها وما يذكره في معصية وقع فيها لينتهي . 
- ويدخل تحت هذا السبب سبب آخر من مقويات الإيمان وهو مصاحبة الأخيار ، وتقدم نماذج للصحابة في ذلك 
ويدل عليه : قول الله تعالى : {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} الكهف: ٢٨ ، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " المرء على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل " رواه أحمد و أبو داود والترمذي ، و الحديث صححه الحاكم ، وصحح إسناده النووي 
قال المباركفوري : " (على دين خليله ) أي على عادة صاحبه وطريقته وسيرته ( فلينظر ) أي فليتأمل وليتدبر ( من يخالل ) من المخالة وهي المصادقة والإخاء ، فمن رضي دينه وخلقه خالَلَه ومن لا تجنبه ، فإن الطباع سراقة والصحبة مؤثرة في إصلاح الحال وإفساده . قال الغزالي : مجالسة الحريص ومخالطته تحرك الحرص ومجالسة الزاهد ومخاللته تزهد في الدنيا لأن الطباع مجبولة على التشبه والاقتداء " [ انظر تحفه الأحوذي كتاب الزهد ]

قال الشاعر :

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه --- فكل قرين بالمقارن يقتدي

وقال آخر :

فصاحب تقياً عالماً تنتفع بـه --- فصحبة أهل الخير ترجى وتطلبُ
وإياك والفسـاق لاتصحبنهم --- فقربهمُ يُعدي وهذا مجَّــربُ
فإنا رأينا المرء يسرق طبعه --- من الألف ثم الشرُ للناس أغلبُ

وفي المثل (الصاحب ساحب ) فصاحب الإيمان يسحبه إلى ما فيه زيادة الإيمان والعكس بالعكس . 
وفي الصحيحين من حديث أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير ، فحامل المسك إما أن يحذيك ، وإما أن تبتاع منه ، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة ، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما تجد ريحاً خبيثة " ويحذيك أي يعطيك ، والأدلة وأقوال السلف كثيرة في أثر الصحبة الصالحة في زيادة الإيمان . 

ثامناً : البعد عن المعاصي 
لا شك أن اقتراف المعاصي سبب في نقصان الإيمان والبعد عنها ومدافعتها سبب زيادته فمن عقيدة أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ، وإن من طاعة الله تعالى أن يبتعد الإنسان عن المعاصي ، والفتن ، فأي عبد أراد أن يعيش قلبه سليماً من الأمراض لا تضره الفتن ما دامت السماوات والأرض فليبتعد عنها ولينكرها . 
ويدل عليه : حديث حذيفة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عودا ، فأي قلب أُشربها نكت فيه نكتة سوداء ، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين ، على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة مادامت السموات والأرض ، والآخر أسود مُرباداً كالكوز مجخيا لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكرا إلا ما أَشرب من هواه " رواه مسلم ، ومرباداً أي مخلوطاً حمرة بسواد ، كالكوز مجخيا أي كالكأس المنكوس المقلوب الذي إذا انصب فيه شيء لا يدخل فيه . 
قال القاضي عياض : " ليس تشبيهه بالصفا بياناً لبياضه ، لكن صفة أخرى لشدته على عقد الإيمان وسلامته من الخلل ، وأن الفتن لم تلصق به ولم تؤثر فيه كالصفا وهو الحجر الأملس " [ انظر شرح مسلم للنووي المجلد الأول كتاب الإيمان ] 
وهكذا المؤمن كلما كان من الفتن والمعاصي أبعد كان حفاظه على سلامة قلبه وازدياد إيمانه أكثر ، وكلما تهاون بالذنوب وتعرض للفتن كلما نقص إيمانه . 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " غض البصر يورث ثلاث فوائد : حلاوة الإيمان ولذته ، نور القلب والفراسة ... قوة القلب وثباته وشجاعته " [ انظر الفتاوى (10 / 252 )]
قال ابن المبارك :

رأيت الذنوب تميت القلوب --- وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب --- وخير لنفسك عصيانها

تاسعاً : الإكثار من النوافل والطاعات 
فكلما أكثر العبد من النوافل نال ثمرات كثيرة منها محبة الله له ومعيته فلا يصدر من جوارحه إلا ما يرضي الله جل وعلا ، وأيضاً يكون مجاب الدعوة ، وإذا نال العبد هذه الثمرات زاد إيمانه لأنه نال محبة الله ورضاه عنه مع ما في النوافل من ثمرات . 
ويدل عليه : حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند البخاري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل : " وما يزال عبدي يقترب إليَّ بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ، ولئن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه " فليجتهد العبد ويكثر من النوافل في الصيام والصلاة والذكر وسائر أعمال البر . 

عاشراً : سؤال الله تعالى زيادة الإيمان وتجديده 
ويدل عليه : حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه و عبد الله بن عمر رضي الله عنه قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب ، فا سألوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم " رواه الطبراني عن ابن عمر وقال الهيثمي : " إسناده حسن " ورواه الحاكم عن ابن عمرو وقال : " رواته ثقات " وأقره الذهبي وحسنه الألباني في الصحيحة (1585) ، وقوله : " إن الإيمان ليخلق " أي إنه ليبلى ، فالمؤمن إذا أحس بقسوة في قلبه وفتور ونقص في الإيمان سأل الله تعالى أن يجدد الإيمان ويزيده في قلبه ، فقد كان السلف يحرصون على هذا الجانب فيسألون الله عز وجل زيادة الإيمان ، فهذا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول : " اللهم زدنا إيماناً ويقيناً وفقهاً " قال الحافظ في الفتح (1/48) " رواه أحمد في الإيمان وإسناده صحيح " وتقدم قول معاذ لبعض أصحابه : " اجلس بنا نؤمن ساعة " وكذلك قول ابن رواحة لأبي الدرداء : " تعال نؤمن ساعة " وكان أبو الدرداء يقول : " من فقه العبد أن يعلم أمزداد هو أو منتقص – أي من الإيمان – وإن من فقه العبد أن يعلم نزغات الشيطان أنى تأتيه " 

ما تقدم من الأسباب العشرة هي من أهم أسباب زيادة الإيمان ، وهناك أسباب أخرى : كالأمر بالمعروف والنهي عن النكر ، وزيارة القبور ، وتأمل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ، والقراءة في سير السلف ، الاهتمام بأعمال القلوب كالخوف والرجاء والمحبة والتوكل وغيرها ، والدعوة إلى الله تعالى ، والتقلل من الدنيا ومن المباحات والفضول في الطعام والكلام والنظر ، وتنويع العبادة ، وتذكر منازل الآخرة ، ومناجاة الله تعالى والانكسار بين يديه ، وتعظيم حرماته ، والولاء والبراء " 
وبضد أسباب زيادة الإيمان نعرف أسباب نقصانه ، أسأل الله أن يزيدنا إيماناً صادقا ويقينا

الأربعاء، 8 نوفمبر 2017

المؤمن »»»»المسلم

الشيخ الشعراوي يقول لما كنت في سان فرانسيسكو  سألني احد المستشرقين
- هل كل ما في قرآنكم صحيح ؟! 
فاجبت
بالتأكيد نعم
- فسألني :
لماذا إذاً جعل للكافرين عليكم سبيلا ؟!
رغم قوله تعالى :
" ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا "

فأجبته:
لأننا مسلمين ولسنا مؤمنين !!

• فما الفرق بين المؤمنين والمسلمين ؟

رد الشيخ الشعراوي: 
• المسلمون اليوم يؤدون جميع شعائر الإسلام من صلاة وزكاة وحج وصوم رمضان .. الخ من العبادات ، ولكن هم في شقاءٍ تام !!
- شقاء علمي واقتصادي واجتماعي وعسكري .. الخ ، فلماذا هذا الشقاء ؟

• جاء في القرآن الكريم :
' قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ' الحجرات ١٤

سألني اذا لماذا إذن هم في شقاء ؟
أوضحه القرآن الكريم ، لأن المسلمين لم يرتقوا إلى مرحلة المؤمنين فلنتدبر مايلي :

• لو كانوا مؤمنين حقاً لنصرهم الله ، بدليل قوله تعالى :
' وكان حقاً علينا نصر المؤمنين 'الروم ٤٧

• لو كانوا مؤمنين لأصبحوا أكثر شأناً بين الأمم والشعوب ، بدليل قوله تعالى :
' ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ' آل عمران ١٣٩

• لو كانوا مؤمنين ، لما جعل الله عليهم أي سيطرةً من الآخرين ، بدليل قوله تعالى :
' ولن يجعل الله للكافرين
على المؤمنين سبيلا ' النساء ١٤١

• ولو كانوا مؤمنين لما تركهم الله على هذه الحالة المزرية ، بدليل قوله تعالى :
' وما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه ' آل عمران ١٧٩

• ولو كانوا مؤمنين لكان الله معهم في كل المواقف ، بدليل قوله تعالى :
' وأن  الله مع المؤمنين ' الأنفال ١٩

• ولكنهم بقوا في مرحلة المسلمين ولم يرتقوا إلى مرحلة المؤمنين ، قال تعالى :
' وما كان أكثرهم مؤمنين '

• فمن هم المؤمنون ؟
الجواب من القرآن الكريم هم :
' التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله
وبشّّر المؤمنين ' التوبه ١١٢

• نلاحظ أنّ الله تعالى ربط موضوع النصر والغلبة والسيطرة ورقي الحال بالمؤمنين وليس بالمسلمين !

رحم الله الشيخ الجليل وتجاوز الله عنا وعنه .