أراد الإسلام للمرأة المسلمة أن تبقى درَّة مَصونة، عزيزة كريمة، لا تَطمح إليها أعينُ الناظرين، ولا تمتدُّ إليها أيدي العابثين، ولا يُدنِّس عِرضَها وشرفَها من لا خَلاقَ له ولا دِين، فأحاطَها بالصيانة والسِّتر، وأمرها بالعفاف والطُّهر، وصانها بلباس الحشمة عن التهتُّك والتبرج والابتذال، وحرَّم عليها الخلوة بالرجال.
وقد جعل الله تعالى اللباس زينة وسترًا، وطريقًا للخير ومظهرًا للتقوى، ولم يترك الناس على حالة العُري الأولى، بل خلق لهم ما يستر سوءاتهم ويُواريها، فقال تعالى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ﴾ [الأعراف: 26].
إلاَّ أنَّ الشيطان أبى إلاَّ أن يَفتن النَّاس كما فَتَنَ أبَوَيهم من قبل، فدعاهم إلى التَّعري، ونزعِ زينة اللِّباس والسترِ عنهم، فاستجاب له أولياؤُه، وفُتنوا بحبائل إغوائه؛ قال تعالى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 27].
إلى أن وصل الحال ببعض قبائل العرب أن يطوفوا بالبيت عُراة، رجالاً ونساءً، ويُعلِّلون ذلك بأنهم إنما يفعلونه لئلَّا يطوفوا بثيابٍ عصَوُا الله فيها، وأنَّهم إنَّما ورثوا هذا الفعل عن آبائهم، ويَفتري بعضُهم كذبًا ليقول: إنَّ الله تعالى أمر بذلك[1]؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 28].
فجاء الإسلام ليبيِّن للنَّاس مفاسد الجاهلية ويُلغِيَها، ويُخرجَهم من ظلمات جهلهم وضلالهم، إلى نور هدايتهم ومعرفتهم، وكان من جملة هداياته للنَّاس أنْ أمَر المرأة بالستر والحجاب؛ حماية لها من أذى الفساق، فخاطب الله نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم بقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ﴾ [الأحزاب: 59]، كما أمرهن بالاجتهاد بإخفاء زينتهن ومواضع الفتنة منهنَّ، إلا ما يظهر لضرورة أو بدون إرادة[2]، فقال تعالى: ﴿ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ﴾ [النور: 31].
وأمَر المؤمنين بغضِّ أبصارهم عما حرَّم عليهم؛ فإنِ اتَّفق أن وقع البصر على مُحرَّم من غير قصد، فالواجب على المؤمن صرفُ البصر عنه سريعًا[3]، وما ذلك إلا طهارةً لقلوبهم، وحفظًا لدينهم، ودرءًا للفتن عن مجتمعاتهم، فخاطب الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم قائلاً له: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ ﴾ [النور: 30، 31].
ولذلك أجمع العلماء على وجوب الحجاب على المرأة المسلمة البالغة العاقلة الحرَّة، واشترطوا للحجاب جملة من الشروط بِناءً على ما استنبَطوه من النصوص الشرعية الواردة في ذلك، وهذه الشروط هي:
الشرط الأول: أن يكون الحجاب ساترًا لجميع بدن المرأة، باستثناء الوجه والكفَّين؛ ففيهما خِلاف[4]، وقد دلَّ على ذلك قولُ الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ﴾ [الأحزاب: 59]، وحديثُ عائشة رضي الله عنها أنَّ أسماء بنتَ أبي بكرٍ رضي الله عنها دخلَت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثيابٌ رِقاقٌ، فأعرض عنها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وقال: ((يا أسماء، إن المرأة إذا بلَغَت المحيضَ لم تصلح أن يُرى منها إلا هذا وهذا))، وأشار إلى وجهه وكفَّيه[5].
وكذا حديث أمِّ سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذكر الإزار: فالمرأة يا رسول الله؟ قال: ((تُرخي شبرًا))، قالت أم سلمة: إذًا ينكشف عنها، قال: ((فذراعًا لا تَزيد عليه))[6]، وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم رخَّص لأمهات المؤمنين في الذيل شبرًا، ثم استَزَدْنه فزادهنَّ شبرًا، فكُنَّ يُرسلن إلينا فنَذْرَع لهن ذِراعًا[7]، وفي الحديث دلالة على المبالغة في التحرز والاحتياط؛ خشية انكشاف شيء من العورة.
الشرط الثاني: أن لا يكون الحجابُ زينة في نفسه؛ فقد نهى الله تعالى المؤمناتِ عن إبداء زينتهن، فقال تعالى: ﴿ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ﴾ [النور: 31]؛ أي: لا يُظهِرْنَ شيئًا من الزينة للأجانب، إلا ما لا يُمكن إخفاؤه[8]، فيَدخل في النهي كلُّ ما كان زينة ظاهرة تَلفِت أنظار الرجال إليها، وهذا يُؤكِّد لنا حُرمة ما يفعله كثيرٌ من النساء في عصرنا، فقد أصبح حِجابهنَّ للتباهي والزينة، ولِلَفت الانتباه والأنظار، ولا حول ولا قوة إلا بالله!
الشرط الثالث: أن يكون الحجاب صفيقًا لا يشفُّ ما تحته؛ لأنَّ معنى الستر لا يتحقق إلا فيما كان بهذا الوصف، أمَّا الثوب الذي يشف ما تحته من البدن فليس بحجاب، إنما هو أقربُ لوصفه بالعُري المُحْتَجب، الذي لا يُراد منه إلا فتنة الناظرين وإغواؤهم، وقد أخبرَنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن صنف من أهل النار لم يرَ أفعالهم في زمنه، إلا أنهم سيَكونون في زمن من الأزمان، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث قال: ((صِنْفان من أهل النار لم أرَهما: قومٌ معهم سِياطٌ كأذناب البقَر يَضربون بها الناس، ونساءٌ كاسياتٌ عاريات، مميلاتٌ مائلات، رؤوسُهن كأسنِمة البُخت المائلة، لا يَدخُلن الجنة ولا يَجِدن ريحها، وإن ريحها ليُوجد من مسيرة كذا وكذا))[9]، وفي رواية عند الطبراني: ((سيكون في آخر أمتي نساء كاسياتٌ عاريات، على رؤوسهن كأسنِمة البخت، الْعَنوهن فإنهن ملعونات))[10]؛ قال ابن عبد البَرِّ: أما قوله: ((كاسيات عاريات)): فمعناه كاسيات بالاسم، عاريات في الحقيقة؛ إذ لا تسترُهن تلك الثياب[11].
وعن عَلقمة بن أبي علقمة، عن أمه، أنها قالت: دخلَت حفصةُ بنت عبد الرحمن على عائشةَ زوجِ النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى حفصةَ خمارٌ رقيق، فشقَّته عائشةُ وكَسَتْها خِمارًا كثيفًا[12].
وعن عائشة رضي الله عنها أنها سُئلت عن الخمار فقالت: إنَّما الخمار ما وارى البَشَر والشَّعر[13].
الشَّرط الرابع: أن يكون الحجاب فضفاضًا غيرَ ضيق، لا يصف شيئًا من جسم المرأة؛ لأن الغرض من الحجاب إنما هو درء الفتنة، ولا يحصل ذلك إلا بالفضفاض الواسع، وأما الضيق فإنه وإن ستر لون البشرة إلا أنه يصف حجمها أو بعضه، ويصوِّره في عين الناظر، وفي ذلك من الفتنة والفساد ما لا يخفى على أحد، خصوصًا في زماننا هذا الذي انتشرت فيها الألبسة الضيقة التي تصف أدقَّ تفاصيلِ ما تحتَها؛ مما يهيج الشهوات ويدعو إلى المنكرات، ويُفقِد الحجاب معناه ودورَه الذي أراده الشارع منه.
وقد دل على هذا الشرط ما رواه أسامةُ بن زيد رضي الله عنه قال: كَساني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قبطيةً كثيفةً أهداها له دِحْية الكلبي، فكسوتُها امرأتي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما لك لا تلبس القبطية؟))، قلتُ: كسوتها امرأتي، فقال: ((مرها فلتجعل تحتها غلالةً؛ فإني أخاف أن تصف عظامها))[14].
وعن عبد الله بن أبي سلمة: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كسا الناس القباطيَّ، ثم قال: لا تَدَّرِعْها نساؤكم، فقال رجلٌ: يا أمير المؤمنين، قد ألبستُها امرأتي فأقبلَت في البيت وأدبرَت، فلم أرَه يشف، فقال عمر: إن لم يكن يشفُّ فإنه يصف[15].
وفيما سبق دليلٌ على وجوب لبس المرأة من الثياب ما يَمنع وصفَ بدنها؛ لأن الأمر يقتضي الوجوب.
قال الشوكاني: والحديث يدلُّ على أنَّه يجب على المرأة أن تستر بدنها بثوب لا يصفه، وهذا شرط ساتر العورة، وإنما أمر بالثوب تحته؛ لأنَّ القباطيَّ ثياب رقاق لا تستر البشرة عن رؤية الناظر بل تصفها[16].
الشرط الخامس: أن لا يكون الحجاب مُبخَّرًا أو مُطيبًا؛ لورود النهي عن تطيُّب المرأة وتعطُّرها عند خروجها من بيتها، لما في ذلك من تحريك داعيةِ الشهوة.
ويدلُّ على ذلك: حديثُ أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيما امرأةٍ أصابت بَخورًا فلا تشهَد معنا العشاءَ الآخرة))[17]، فمنَعُها من شهود العشاء هو لتَعطُّرها.
وأشدُّ منه في النهي حديثُ أبي موسى الأشعريِّ رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيما امرأةٍ استعطرت فمرَّت على قومٍ ليجدوا من ريحها فهي زانيةٌ))[18]، وقد وُصفَت بأنها زانية لأنها هيَّجَت شهوة الرجال بعطرها، وحمَلَتهم على النظر إليها، ومن نظر إليها فقد زَنى بعينيه، فهي سببُ زنى العين؛ فهي آثمة [19]، وهذا يدل على أن فعلها كبيرة من الكبائر.
الشرط السادس: أن لا يُشبِه لباسُها لباسَ الرجال؛ فقد ورد اللَّعنُ عن النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة التي تتشبَّه بالرِّجال في لباسها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "لعنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الرجلَ يَلبس لِبسة المرأة، والمرأةَ تَلبس لبسة الرجل"[20].
وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: "لعَن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال"[21]، فلا بد أن يكون لباس المرأة من خصائصها.
الشرط السابع: أن لا تَقصد بلباسها التشبُّه بالكافرات؛ لأنه ممَّا تقرر شرعًا أنه لا يجوز للمسلمين - رجالاً ونساءً - التشبُّهُ بالكفار، سواء كان ذلك في عباداتهم أو أعيادهم أو أزيائهم الخاصة بهم.
دلَّ على ذلك كتابُ الله وسُنةُ نبيه محمد صلى الله عليه وسلم؛ من ذلك قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ ﴾ [الجاثية: 18، 19]، وكذلك حديثُ ابنِ عُمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَن تَشبَّه بقومٍ فهو منهم»[22]؛ أي: من شبَّه نفسه بالكفار مثلاً من اللباس وغيره، أو بالفسَّاق أو الفجار فهو منهم؛ أي: في الإثم[23].
الشرط الثامن: أن لا يكون لباسها لباسَ شُهرة؛ لما فيه من قصد الاختيال والفخر عليهم؛ ففي الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن لبس ثوبَ شُهرةٍ في الدنيا ألبسَه الله ثوبَ مذلَّةٍ يوم القيامة، ثم ألهَب فيه نارًا))[24]! قال ابنُ الأثير في "النهاية": أي: يشمله بالذل كما يشمل الثوبُ البدنَ، بأن يُصغِّره في العيون ويحقره في القلوب[25].
والمراد بثوب الشُّهرة: هو الثوب الذي تَشتهر به بين النساء؛ لمخالفته للمألوف ولَفته للأنظار؛ إما بسبب لونه، أو شكله، أو لما فيه من بذخ وزركشة وغير ذلك.
قال ابن القيم في تعليل سبب العقوبة: "لأنه قصد به الاختيال والفخر، فعاقبه الله بنقيضِ ذلك، فأذَلَّه، كما عاقب من أطال ثيابه خُيلاء بأَن خسف به الأرض، فهو يتجلجلُ فيها إلى يوم القيامة"[26].
والحديث يدلُّ على تحريم لبس ثوب الشهرة، وليس هذا الحديثُ مختصًّا بنفيس الثياب؛ بل قد يحصل ذلك لمن يلبَس ثوبًا يخالف مَلبوس الناس من الفقراء ليَراه النَّاس فيتعجَّبوا من لباسه ويَعتقدوه[27].
هذا مُجمَل ما ذُكر في شروط حجاب المرأة المسلمة، ولا بدَّ من التأكيد هنا لأولئك الذين يَذرِفون دموع التماسيح على حقوق المرأة المهضومة، بأن نقول لهم: إنَّ حجابَ المرأة هو مظهر من مظاهر كرامة المرأة وحريتها الشخصية، وإنَّ الله لم يوجبه على المرأة إهانة لها، ولا حجرًا على حريتها، ولا انتقاصًا من حقوقها وكرامتها؛ إنما شرعه حفظًا وصيانة لها، وإنَّ أصدق ما يدلُّ على ذلك هو واقع المرأة المسلمة بعد أن تمرَّدَت على شرع الله في الحجاب، وخرجَت كما أراد لها أعداءُ دينها، إلَّا أنَّ ذلك لم يَزِدها حقًّا، ولا كرامة، ولا حرية، بل زادها شقاء وعناء، فأصبحَت تُمتَهن كرامتُها بعد أن كانت عزيزة مَصونةَ الجانب، وتنتهِبُها عيون أهل الفسق من كلِّ جانب، بل ويتدرَّج بها الشيطان بخطواته إلى أن تُذبَح عفَّتُها من فاسق فاجر.
ولقد أدرك أعداء الإسلام أن أقصر طريق لهدم الإسلام هو إبعاد المرأة المسلمة عن حجابها وآدابِ وقيمِ دينها، فكَذَبوا على المرأة المسلمة وخدَعوها، وعلَّلوا لها سبب تخلُّفها بحجابها والتزامِها بقيم دينها، وأن حجابها هو انتهاكٌ لحريتها وكرامتها، وانتقاص من حقوقها، وتفنَّن أباطرة الشر والإفساد في استحداث ألبسةٍ نسائية، هي أشبه بالعري منها إلى التستر والحجاب، وكان ما كان من استجابةِ كثير من نساء المسلمين لهذه الخديعة!
لقد آن للمرأة المسلمة أن تدرك حقيقةَ ما يُحاك حولها وضدَّها، وتَعلم بأنَّ عزَّها وكرامتها إنَّما هو بالتزامها بقيم ومبادئ دينها، وأنَّ عفتها وسترَها وطهارتها لم تكن يومًا حاجزًا وحائلاً دون إبداعها وتميُّزها، والتاريخ يَشهَد على ذلك، كما الواقع المعاصر؛ فقد كان في تاريخنا نساءٌ عالمات، ماجداتٌ مُبدِعات، كما في واقعنا اليوم نساء ملتزمات بحجابهنَّ وقد وصَلْن لأعلى المراكز العلمية والإدارية، ولم يَحُل حجابُهن دون تميزهن وإبداعهنَّ، فنسأل الله أن يردَّ نساء المسلمين إلى دينهن وحجابهن ردًّا جميلاً؛ إنه سميع مجيب الدعاء.
[1] انظر: تفسير ابن كثير 3: 402.
[2] قال ابن عطية في تفسيره "المحرَّر الوجيز" 4: 178: يظهر لي في محكم ألفاظ الآية: المرأة مأمورة بأن لا تُبدي، وأن تجتهد في الإخفاء لكل ما هو زينة، ووقع الاستثناء في كلِّ ما غلَبها فظهر بحكم ضرورة حركة فيما لا بد منه، أو إصلاح شأن، ونحو ذلك فما ظهر على هذا الوجه فهو المعفوُّ عنه.
[3] انظر: تفسير ابن كثير 6: 41.
[4] وهذا الخلاف مرجعُه إلى تفسير قول الله تعالى: ﴿ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾ [النور: 31] وقد سبقت الإشارة إلى ذلك، ولورود أحاديثَ تدلُّ على النقاب، وهو فعلُ أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وبعضِ الصحابيات، كما أن هناك أحاديثَ تدل على عدم انتقاب بعض الصحابيات في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن من قال بجواز كشف الوجه قيَّدَه بعدم الفتنة، فالمسألة تَبقى في إطار الخلاف، ولكل فريق حجته ودليلُه، وللمرء أن يختار ما تطمئنُّ إليه نفسه، ويَسلَم له دينه؛ تنظر أقوال الفقهاء في "الموسوعة الفقهية" 31: 45.
[5] أخرجه أبو داود في اللباس برقم 4104، والبيهقي في السنن الكبرى 2: 266 برقم 3343؛ إلا أن هذا الحديث مرسل؛ لأن أحد الرواة وهو خالد بن دريك لم يدرك عائشة رضي الله عنها، قال الإمام البيهقي: مع هذا المرسل قول من مضى من الصحابة رضى الله تعالى عنهم في بيان ما أباح الله من الزينة الظاهرة، فصار القول بذلك قويًا. قلت: ولو صح هذا الحديث عند الجميع لكان الحكم في هذه المسألة، إلا أن الاختلاف في صحته ترك الباب مفتوحًا للاختلاف في الرأي، ولعل في ذلك رحمةً من الله تعالى.
[6] أخرجه أحمد في المسند 2: 55 برقم 5173، وأبو داود في اللباس برقم 4117، والنسائي في الزينة برقم 5337، وابن ماجه في اللباس برقم 3580، وابن حبان في صحيحه 12: 265 برقم 5451.
[7] أخرجه أحمد في المسند 2: 18 برقم 4683، وأبو داود في اللباس برقم 4119.
[8] انظر: تفسير ابن كثير 6: 45.
[9] أخرجه مسلمٌ في اللباس والزينة برقم 2128.
[10] أخرجه الطَّبراني في الأوسط 9: 131 برقم 9331.
[11] الاستذكار 8: 307. قال ابن الأثير في النهاية 7: 271: أراد أنهن يلبسن ثيابًا رقاقًا يصفن ما تحتها من أجسامهن، فهنَّ كاسياتٌ في الظاهر، عارياتٌ في المعنى.
[12] أخرجه مالك في موطئه 2: 913 برقم 6، والبيهقي في سننه 2: 235 برقم 3391.
[13] أخرجه عبدالرزاق في مصنفه 3: 132 برقم 5049، والبيهقي في السنن الكبرى 2: 235 برقم 3390.
[14] أخرجه أحمد في المسند 5: 205 برقم 21834، والبيهقي في السنن 2: 234 برقم 3388، وذكره الهيثمي في المجمع 5: 240 برقم 8611 وقال: رواه أحمد والطبراني، وفيه عبدالله بن محمد بن عقيل، وحديثه حسن وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات.
[15] أخرجه البيهقي في سننه 2: 234 برقم 3389.
[16] نيل الأوطار 3: 212.
[17] أخرجه مسلم في الصلاة برقم 444.
[18] أخرجه أبو داود في الترجل برقم 4173، والترمذي في الأدب برقم 2786 وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي في الزينة برقم 5126 واللفظ له.
[19] تحفة الأحوذي 8: 58.
[20] أخرجه أحمد في المسند 2: 325 برقم 8292، وأبو داود في اللباس برقم 4098، وابن حبان في صحيحه 13: 62 برقم 5751، والحاكم في المستدرك 4: 215 برقم 7415 وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وسكت عنه الذهبي.
[21] أخرجه البخاري في اللباس برقم 5546.
[22] أخرجه أحمد في المسند 2: 50 برقم 5115، وأبو داود في اللباس برقم 4031، والطبراني في الأوسط 7: 238 برقم 7380، وذكره الهيثمي في المجمع 10: 478 برقم 17959 وقال: رواه الطبراني وفيه علي بن غراب وقد وثقه غير واحد وضعفه بعضهم وبقية رجاله ثقات، وقد حسَّن ابن حجر إسناده في الفتح 10: 271.
[23] انظر: عون المعبود 11: 51.
[24] أخرجه أحمد في المسند 2: 92 برقم 5664، وأبو داود في اللباس برقم 4029، والنسائي في السنن الكبرى 6: 482 برقم 9560، وابن ماجه في اللباس برقم 3606. قال المنذري في الترغيب 3: 83: بإسناد حسن.
[25] النهاية في غريب الحديث 1: 254.
[26] زاد المعاد 1: 146.
[27] عون المعبود 11: 51.