أريد أن أصبح عالما
السؤال:
ما الكتب التي يجب دراستها وأحتاجها في دعوة الناس لترك المعاصي؟ وبماذا أبدأ؟ وأحيانًا يكون اسلوبي خاطئ بالدعوة، فهل هناك كتاب يعلمني كيف كان رسول الله يدعو الى دين الله ؟
الإجابة:
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فنشكر لك تلك النية الحسنة، والقصد النبيل، والسعي في خدمة الإسلام ونفع المسلمين، وتعلم العلم الشرعي الشريف، وصدق الله تعالى إذ يقول: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11].
أسْأَلُ الله أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علمًا،
أما دستور الدعوة إلى الله ومنهجها، فالقرآن العظيم؛ ففيه قواعد الدعوة الكبار، ووسائلها وطرائقها، وبين الله فيه المنهج الصحيح لرسوله الكريم، وللدعاة من بعده بدينه القويم، وكل من قرأ القرآن بتأمل أدرك هذا لا محالة، تفصيلاً في ذكر دعوة الأنبياء لقومهم، وإجمالاً وترسيخًا للقواعد العامة، كما في قوله تعالى:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل: 125].
وأول ما يدركه متأمل القرآن أن الدعوة هي دعوة إلى سبيل الله فقط، وليس للداعي من دعوته إلا أداء واجبه، ووسيلة الدعوة الكلام الرقيق الين القريب السهل، فذلك أوقع في النفوس وأبلغ وأنجع، كما قال تعالى لكليمه موسى وأخيه هارون عليهما السلام: {اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي* اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى* فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 42 - 44].
ومن الحكمة في الدعوة أن يدعو كل أحد على حسب حاله وفهمه، أن تكون الدعوة بالعلم لا بالجهل، وأن يبدأ بالأهم فالأهم، وبالأقرب إلى الأذهان والفهم، وبما يكون قبوله أتم، مع النظر في أحوال المخاطبين وظروفهم، والقدر الذي يبينه لهم في كل مرة، حتى لا يثقل عليهم، فلا يشق بالتكاليف قبل استعداد النفوس لها، مع التنويع في الطريقة التي يخاطبهم بها حسب مقتضياتها، والحذر من الحماسة والاندفاع والغيرة التي قد تجر إلى تجاوز الحكمة في هذا كله.
ثم ينتقل إلى الدعوة بالموعظة الحسنة، وهو الأمر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب، وذكر حِكَم التشريع، وما تشتمل عليه الأوامر من المصالح، والنواهي من المضار، وما أعد الله للطائعين من الثواب في العاجل والآجل، وما أعد للعاصين من العقاب في العاجل والآجل، وردّ الشبهات والجواب عليها، بالمنقول والمعقول، مع الحذر من الغضب والخصام واللدد، حتى لا يذهب مقصود الدعوة، ولا تحصل الفائدة.
"... وبالموعظة الحسنة التي تدخل إلىالقلوب برفق، وتتعمق المشاعر بلطف، لا بالزجر والتأنيب في غير موجب.
ولا بفضح الأخطاء التي قد تقع عن جهل أو حسن نية، فإن الرفق في الموعظة كثيراً ما يهدي القلوب الشاردة، ويؤلف القلوب النافرة، ويأتي بخير من الزجر والتأنيب والتوبيخ.
وبالجدل بالتي هي أحسن، بلا تحامل على المخالف، ولا ترذيل له وتقبيح، حتى يطمئن إلى الداعي، ويشعر أن ليس هدفه هو الغلبة في الجدل، ولكن الإقناع والوصول إلى الحق؛ فالنفس البشرية لها كبرياؤها وعنادها، وهي لا تنزل عن الرأي الذي تدافع عنه إلا بالرفق، حتى لا تشعر بالهزيمة، وسرعان ما تختلط على النفس قيمة الرأي وقيمتها هي عند الناس، فتعتبر التنازل عن الرأي تنازلاً عن هيبتها واحترامها وكيانها.
والجدل بالحسنى هو الذي يطامن من هذه الكبرياء الحساسة، ويشعر المجادل أن ذاته مصونة، وقيمته كريمة، وأن الداعي لا يقصد إلا كشف الحقيقة في ذاتها، والاهتداء إليها، في سبيل الله، لا في سبيل ذاته ونصرة رأيه وهزيمة الرأي الآخر! ولكي يطامن الداعية من حماسته واندفاعه يشير النص القرآني إلى أن الله هو الأعلم بمن ضل عن سبيله وهو الأعلم بالمهتدين، فلا ضرورة للجاجة في الجدل، إنما هو البيان والأمر بعد ذلك لله"؛ كما قال صاحب الظلال(4/2202).
أما كيف تصبح عالمًا، وتحصّل زاد الدعوة إلى الله؟
فيجب أولاً مجاهدة النفس على الإخلاصفي طلب العلم والدعوة، والصبر وتَحَمُّل العَناء، وملازمة ذكر الله، والاستمرار عليه، والحذر من الفتور أو الكسل، فيه معونة على جميع الأمور، يسهلها، ويخفف حملها؛ كما قال تعالى لنبيه {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ* فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ* وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 97 - 99]، فالاشتغال بذكر الله، وتحميده وتسبيحه وعبادته، من أعظم ما يستعان به على معالي الأمور؛ ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا حزبه أمر صلى)؛ رواه أحمد.
وملازمة شيخٍ ورعٍ صحيح المُعْتَقَد، كما قال محمد بن سيرين قال: "إنَّما هذا العلمُ دينٌ، فانظروا عمن تأخذونه"، ورواه مسلم في مقدمة الصحيح.
ثم التدرج في الطلب، فتبدأ بصغار العلم قبل كِباره، ثم لتَرْتَقِ في العلوم شيئًا فشيئًا بِحَسَبِ ما يَفْتَحُ اللهُ، والموازنة بين العلوم، حتى لا تطغى دراسةُ أحَدِ فُنُونِ العِلم على بقية العلوم، ولمعرفة المزيد مِنْ آداب الطلب يمكن مُراجعة "حِلية طالِب العِلْم" لبكر بن عبد الله أبو زيد، "وأدب الطلب" للشوكاني، "وتذكرة السامع والمتكلم" لابن جماعة.
وأمَّا المَنْهَجُ المختار لِطالِبِ العِلمِ في أولى مراحل الطلب:
في العقيدة: تبدأ بكتاب "الإيمان" للدكتور محمد نعيم ياسين، أو "شَرْح كتاب التوحيد" للعلاَّمة العُثَيْمِين، أو بسلسلة كتب: "العقيدة في ضوء الكتاب والسنة" للدكتور عمر الأشقر، ثم كتاب الإيمان لشيخ الإسلام ابن تيمية.
وفي التفسير: "تيسير الكريم الرحمن" للشيخ السَّعدي، أو "زبدة التفسير" للدكتور محمد الأشقر، أو "مختصر تفسير ابن كثير" لمحمد نسيب الرفاعي، مع مقدمة في التفسير لشيخ الإسلام ابن تيمية، ولها شروح كثيرة مسموعة.
وفي الحديث: "شرح الأربعين النووية" للإمام النووي، أو "عمدة الأحكام" وشرحه "تيسير العلاَّم" للشيخ عبد الله البسام، ثم "بلوغ المرام" للحافظ ابن حجر العسقلاني.
وفي السيرة: "نور اليقين في سيرة سيد المرسلين" للخضري، أو "الرحيق المختوم".
وفي النحو: "التحفة السنية في شرح المقدمة الآجرُّوميَّة" لمحمد محيي الدين عبد الحميد، أو "النحو المصفَّى" لمحمد عيد، أو "مختصر قواعد اللغة العربية" لفؤاد نعمة، أو "معجم قواعد اللغة العربية" لأنطوان الدحداح.
ولتحصيل معارف جديدة، يحرص طالب العلم على قراءات متعددة في كتب الأدب، مثل: وحي القلم وتحت راية القرآن لمصطفى صادق الرافعي، ورسالة في الطريق إلى ثقافتنا والمتنبي لمحمود شاكر، هذه هي الصوفية لعبد الرحمن الوكيل، ومحاسن الشريعة للقفال الشاشي، وطوق الحمامة والأخلاق والسير في مداواة النفوس لابن حزم.
وفي أصول الفقه: "الواضح" للدكتور محمد سليمان الأشقر، أو معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة للجيزاني، وإعلام الموقعين لابن القيم.
وفي مصطلح الحديث: "نزهة النظر شرح نخبة الفكر" للحافظ ابن حجر، أو شرح ابن عثيمين على المنظومة البيقونية.
وفي الرقائق: "مختصر منهاج القاصدين" لابن قدامة، ومدارج السالكين، ومفتاح دار السعادة، والداء والدواء" لابن القيم.
هذا؛ وستجد على موقعنا شروحًا لكثير من كتب العلم في كل ما يلزم تحصيله، خصوصًا مواد الشيخ محمد بن صالح العثيمين، والشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي،، والله أعلم.